pinterest-site-verification=9c2615a3f2f18801311435c2913e7baa تجاهل الألسنية المعاصرة للمصطلحات النحوية العربية
📁 آخر الأخبار

تجاهل الألسنية المعاصرة للمصطلحات النحوية العربية

تجاهل الألسنية المعاصرة للمصطلحات النحوية العربية

 تجاهل الألسنية المعاصرة للمصطلحات النحوية العربية

كتب : الدكتور الهادي عبد العال حنيش

في البداية 

    في البداية نود أن نؤكد بأن جل المصطلحات النحوية العربية تقريبا، خاصة أثناء مرحلة تأسيس النحو: أي مرحلة تأليف کتاب سیبویه، هي نتاج العقلية العربية، وأنها ليست مستعارة أو منقولة عن علم آخر، بما في ذلك النحو اليوناني؛ رغم ما يدعيه بعض المستشرقين والمستغربين من أن العلوم العربية . بما في ذلك النظريات اللغوية - منقولة عن اليونان. ولا يهمنا الآن دحض هذه الفكرة الخالية من أي اساس. فقد سبقنا كثيرون إلى دحضها، ونذكر على سبيل المثال المستشرق م - کارتر في بحب قيم قدمنا ترجمة عربية له،  ولكن الذي يهمنا هو النظر في بعض هذه المصطلحات وكيف تجاهلتها أو استبعدتها المدارس الألسنية المعاصرة...
أن أغلب المصطلحات التحوية العربية الأولى ترجع إلى مفاهیم أخلاقية أو دينية إسلامية أو إلى الحياة الاجتماعية العامة أخذها سيبويه وأساتذته مباشرة من هذه المفاهيم.

كتاب سيبويه 

    ثم إن الدارس المتمعن في كتاب سيبويه، وهو خلاصة نظريات الخليل بن أحمد، وعيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، أساتذة سیبویه، يستطيع أن يخرج بجملة من الملاحظات منها:
  • أن "الكتاب" يصف الظواهر اللغوية، فمؤلفه لم يكن نحوياً معيارياً، بل كان وصفيا وظيفيا، مهمته وصف القوالب اللغوية وتحديدها.
  • أن اللغة في "الكتاب" كانت نوعاً من السلوك الإنساني، وكان سيبويه يتعامل معها على هذا الأساس، وهذه شهادة بذكرها المستشرق (کارتر الذي سبقت الإشارة إليه. 
    وهنا تكمن إشارة ذات دلالة كبيرة وهي أن النظرية السلوكية لم تظهر في الغرب بفضل "بلوم فبلد" و "بعض الباحثين الأخرين"، إلا في فترات أخيرة، في (أمريكا) والتي على ضوئها اعتبرت اللغة مظهراً من مظاهر السلوك الإنساني.
    وسنرى أيضا من خلال هذه الصفحات أن النحاة العرب كانوا سباقين إلى كثير من المفاهيم اللغوية كما كانوا سباقين إلى كثير من العلوم الأخرى. صحيح أن النظريات والمصطلحات النحوية العربية كانت تطبيقا على اللغة العربية ، وهي لغة دينهم وحضارتهم وثقافتهم، وهذا شأن كل قوم وجنس، ثم أن الدراسات المقارنة والعامة لم تكن موجودة آنذاك.

الألسنية الغربية المعاصرة 

    والسؤال الذي يمكن طرحه هو: لماذا استبعدت الألسنية الغربية المعاصرة مجهودات النحاة والصوتيين العرب برغم مما تحويه من نظرية نقدية وواقعية للغة؟ هذا الاستبعاد من قبل الألسئيين وعلماء الاجتماع الغربيين قد يرجع إلى أمرين حسب تصورنا:
- اما جهل لما توصل إليه العرب حيث ان نظریائهم وأراءهم لم تصل كما ينبغي إلى هؤلاء الألسنيين المحدثين
- وأما تجاهل - عن قصد ونية مبيتة هذا التراث العربي. ففي مجال الألسنية العامة نجد اهمالا واضحا لحقبة كاملة من الدراسات الألسنية والجهود م ن قام به اللغويون العرب صحیح . -کما قلنا ۔ إن الدراسات العربية كانت تطبيقة للغة العربية أو عليها، ولكن لماذا ينكب علماء الألسنية المعاصرون على الدراسات اليونانية والعلماء اليونان رغم ادعاءاتهم بعالية نظريانهم وبأنهم يحلون في أصل اللغة الإنسانية الواحدة؟ أيجوز لهم هذا؟ بل ایميز فم المنطق والحق هذا | وهم يتجاهلون إحدى أهم المقب. ان لم تكن اهمها على الاطلاق - في تاريخ العلوم الالسنية أو اللغوية؟!

 المصطلحات اللغوية اليونانية 

هل كان النحاة اليونان - مع احترامنا وتقديرنا لمجهوداتهم العلمية - أبعد رؤية وأكثر واقعية في معالجة الظواهر اللغوية؟
آن قراءة متأنية في المصطلحات اللغوية اليونانية تكشف لنا على الفور أنها متاثرة الى حد بعيد بالمنطق والفلسفة، صحيح أيضا أن النحو العربي استعار بعض المفاهيم الفلسفية وأقحمها في مجاله ولكن هذا كان بعد فترة ليست بالقصيرة من وضع المبادئ، الأساسية وصيانتها نهائيا في الكتاب، وقد دخلت هذه المفاهيم الفلسفية خاصة بعد مجيء أبي العباس المبرد
ولو نظرنا إلى المصطلحات في حد ذاتها، لوجدنا - ويتجرد کامل . أن الألسنية المعاصرة تستخدم بعض المصطلحات التي هي في ترجمتها الحرفية مصورة لما سبق أن توصل إليه النحاة العرب. و سنعطي أمثلة لهذا خلال هذه الدراسة
فلو أخذ الألسئيون الغربيون ماحدا جدية الدراسات النحوية العربية، ولو درسوها دراسة مستفيضة ، لكانت الدراسات الألسنية العامة على غير ما هي عليه اليوم ، ولاختصر السنيون المعاصرون الكثير من الجهد والوقت، ولصرفوه في مجال آخر، بدل تکرار ما قبل سلفا. لقد حدث فعلا، وكما يقول د. عبد السلام المسدي، اقطع في تسلسل التفكير الالسني عبر الحضارات فهمت الحضارة الغربية على حصيلة التراث اليوناني أساسا، ولكن في معزل عن مستخلصات نهائية قرون من غاض التفكير اللغوي عند العرب ,
وثمة أسباب وراء هذا الاستبعاد أو العزل أولها . في رأينا . هو أن العقلية الغربية اجمالا لم تنظر الى النحو العربي بوصفه على مستقلا بذاته ، أسسه علماء عرب ، ولكنها عدته انحداراً من النحو اليوناني شأن أغلب العلوم العربية. ويعد هذا تجنياً وتجنباً للحقيقة..
قد يكون للالسنية المعاصرة مبرراتها على أساس أن المصطلحات وصلتها مترجمة عن طريق المستشرقين، وهؤلاء عندما درسوا النحو العربي وترجموا منه ما نرجوه تبنوا بطبيعة الحال المصطلحات الموجودة في لغاتهم، وهي تعود في مجملها الى التراث اليونان، کماهو معروف، دون أن يجهدوا أنفسهم بمحاولة الاشارة الى أن المصطلحات النحوية العربية تختلف عن مصطلحات النحو اليوناني، وأنهم أمام مدرستين مختلفتين حتى في معالجاتها للقضايا اللغوية

 النظرة العربية

ولو أخذنا رؤية الفريقين الى الحرف على سبيل المثال، لوجدنا أن النظرة العربية له تختلف بل تتناقض مع النظرة اليونانية. ففي الوقت الذي يرى أرسطو، أن للحرق وظيفة وليس له معنی، پری سيبويه على العكس بأن للحرف معنى وجاء لمعنى، وليس له وظيفة محددة كباقي عناصر الكلام. وهناك ناحية أخرى تستحق الذكر وهي أن النحو اليوناني يعترف بوجود ثانية أجزاء للكلام (موجودة في الكتب النحوية التقليدية الغربية) في حين أن النحو العرب لا عنف إلا بثلاثة عناصر رئيسية هي: الاسم، والفعل والحرف. وما عداها توابع.
وعندما ترجم المستشرقون الأوائل - بل حتى المعاصرون . کتب النحو العربي لم يشيروا إلى مثل هذه الأخلاقات الجوهرية بل راحوا . عكس ما يقتفيه البحث القويم - يروجون لفكرة كون النحاة العرب انتوا أفكارهم وآراءهم من اليونان، ولم يكن لهم من دور سوی صباغة هذه الأفكار في لغتهم. ونحن لا ننكر - کما سبق أن قلنا- أن النحو العربي قد استعار مفاهيم منطقية أو فلسفية من اللغة اليونانية، ولكن هذا جاء بعد فترة قرن تقريب من تأليف "الكتاب"، لسیبویه
إذن، عندما ترجم المستشرقون (المبتدأ) مثلا لم يجدوا أمامهم الا لفظة (Sujet) أو ما يقابلها في اللغات الأخرى، وعندما نرجوا الفاعل استخدموا نفس اللفظة أيضا.
وإذا صحت ترجمة (الفاعل) ب (Sujet)، فلا يصح مطلقة ترجمة المبتدأ بنفس اللفظة، لأن ال (Sujet) في الفرنسية أو في اللغات الأخرى محتاج حتما إلى فعل مذکور صراحة في الجملة، ويجوز في حالات الضرورة کما في حالات الشعر والضرورات اللغوية التغاضي عنه، ولكن النظام التركيبي الهيكلي للجملة الهندو- أوربية الحديثة يتطلب وجود فعل.
فترجمة "المبتدأ" ب (Sujet) مسخ لوظيفة العنصر العربي وتشويه لمعناه. قلنا ان نتجاهل جهود الالسنيين والصوتيين العرب أدى إلى وجود ثغرة في التفكير الالسني وهو ما أدى بالالسنيين المحدثين إلى تكرار بعض ما وصل إليه سيبويه وابن جني وغيرهما منذ قرون. ولنأخذ بعض الأمثلة البسيطة للتدليل على ما نقول:
فالمصطلح "خبر" وهو العنصر التي في الجملة العربية الاسمية هو غير موجود في كتب سيبويه، ولكنا نجده لدى المبرد الذي يعرفه والنحاة اللاحقون بأنه ما يخبر به عن المبتدأ. ويقول المبرد أيضا بأنه العنصر الذي يجلب "الفائدة للسامع". ومنذ ذلك الحين والمصطلح مستخدم الى يومنا هذا في النحو العربي بنفس المفهوم والوظيفة التي حددها المبرد.
ومضت قرون، وفي غفلة ما أنتجته العقلية العربية، وإذا بالدراسات الألسنية المعاصرة تخرج لنا مصطلحاً ترجمته الحرفية "خبر" وغيره، ويعرفونه بأنه هو الذي يعطي "المعلومة للسامع"، التي يستخدمها أشهر عزيزي القارئ - بين عبارة المبرد ويجلب الفائدة للاعه ومن ويعطي المعلومة التي يستخدمها أشهر الالسنيين المحدثين.!
ما الذي جعل الألسنية المعاصرة تخرج عن الإطار التقليدي وتحاول ابتداع مصطلحات جديدة؟.
اولا لابد من الاعتراف بأن كل العلوم تتطور وتقدم وتخضع لقانون التغيرالذي يسري على كل شيء، فقد اكتشفت الألسنية أن مصطلحات النحو التقليدي الغربي مصطلحات بعيدة عن الطبيعة اللغوية وأنها اقرب إلى الفلسفة والمنطق من اللغة. ولذلك - ربما۔ هداهم تفكيرهم بعد البحث والتقصي الى ابتداع بعض المصطلحات الجديدة.

 المصطلحات الجديدة

ومن هنا بدأ الالسنيون بالتخلي عن المصطلحات التقليدية وبتبنى اخرى جديدة. مثل (presedicat) أوما يقابله في اللغات الأخرى وترجت العربية "المحمول" و مفردات أخرى مثل(Information) ويعني حرفيا ماغيره "الخبرة من الفعل " أخبره (Informer)
وهناك مصطلح آخر استخدم بعض الالسنيين مثل برنار ہوتبي وهو "La Base" ويعني حرفيا "القاعدة"، و"الأساس"، وهو مقابل "للمبتدأ" ونظرية بوتبي ترفض رفضا مطلقا المصطلحات التقليدية وتعدها منطقيا بعيدة كل البعد عن الطبيعة اللغوية ..
هل حدث هذا التغير الاصطلاحي بنتيجة تطور الدراسات اللغوية؟ وهل لم يكن هناك بد من الوصول إليه؟ هل استفاد أو اطلع علياء الألسنية الغربية على بعض النظريات النحوية العربية بطريق غير مباشر عن طريق أطروحات "الماجستير والدكتوراه" للطلبة العرب؟ فنحن نعلم أن هذه الأطروحات تعد بالالاف من جامعات أوروبا وأمريكا وأن عددا كبيرا منها يتعلق باللغة العربية وآدابها؟ ليس هناك ما يثبت لنا هذا ولكنا لا نستبعده
وفي كل الأحوال وسواء الطلع الألسنيون الغربيون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على ما حبلت به بطون الكتب العربية أم لم يطلعوا، فإنه من المؤسف حقا تجاهل هذه المجهودات وعدم الاشارة إليها في الدراسات اللغوية المعاصرة، لا من قريب ولا من بعيد والمؤسف المخجل أيضا أن تجد بعض الباحثين العرب يلهثون وراء ما تنتج الطابع الغربية وهم ينتقدون النحو العربي والنحاة العرب وينعتونهم بنعوت لا مبرر لوجودها غير مدركين أو غير مكترثين لما في كتبهم من دراسات وأراء
إن هذا التجاهل لا ينقص من قيمة هؤلاء العلماء العرب وقدرهم بقدر ما هو وصمة غير مشرفة يوصم بها جبين الألسنية المعاصرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع العربية

1. أبو العباس المبرد "المقتضب"، تحقيق م.ع - عضيمة. القاهرة 1963م
2. أبو الفتح بن جني "الخصائص"، تحقيق محمد على النجار نشردار المدى للطباعة والنشر - الطبعة الثانية
3. الزمخشري المفصل في علم العربية، الطبعة الثانية - نشر دار الجيل.
4- سیبویه بن قنبر والكتاب، تحقیق عبد السلام هارون، نشر: عالم الكتب، خمسة مجلدات.
_____________________________________

المراجع الأجنبية


- Bernard Pottier: linguistique générale,
1974«théorie et description Klincksieck. Paris

. Gerard Troupeau: «index - Lexique du kitab de Sibanojhi Klincksieck. Paris.

Jean Perrot, «la linguistique.» Que - sais-je? - J.claude chevalier: Grammaire larousse

بالإضافة إلى أطروحتنا للدكتوراه التي أجيزت بسوم 606 - 1982 بجامعة السربون (باريس 4) وعنوانها:
<le Système des relations casuelles en arabe et en français: Étude contrastive sémantico - syntaxique.





صحيفة المنظار الليبية
صحيفة المنظار الليبية
تعليقات