أخر الاخبار

دكتور أيش ؟!..للأديب علي مصطفى المصراتي

دكتور أيش ؟!..للأديب علي مصطفى المصراتي
 

دكتور أيش ؟!..للأديب علي مصطفى المصراتي*

  كان يتقلب

كان يتقلب على فراشه يحاول النوم فلا يواتيه. أبي النعاس أن يدب أو يتسلل إلى جفونه، وقد تحايل عليه بالارتخاء والتمدد و الإغماض ، ولكن النعاس کالمعشوق المدلل تماطل ولم يتكرم بالمجيء هو مشغول على ولده الصغير الذي أنتابه المرض فجأة ، أخذ الولد الصغير صرخ ويتلوى ، وعاطفة الأبوة والأمومة تظهر بوضوح أكثر في مثل هذه الحالات إنه أرق لا يستطيع النوم .. وبالمثل كانت الأم بل أكثر انزعاج وأرقا ، وقد حاولت الأم بمسكناتها الشعبية .. وبعض الأدوية المتبقية لديها أن تسكن آلام الطفل الصغير لا فائدة فالولد يصرخ ويتلوى , يبدو أن أمعاءه انطلقت فيها نار من جهنم 

وحاولت الأم بكل جهدا .. وحيرة ونصائح جاراتها .. ولا فائدة.  والآن ، الليل يكاد ينتصف .. وأكثر الصيدليات مغلقة .. والصيدلية الليلية . الساهرة بعيدة عن مكان سكناه ، هي في طرف المدينة قرب السور .. وهذا من  التخطيط الحصيف للعميد "الحازم" .. وحتى الأطباء فسدت برامج خدماتهم .. كان ، منهم إلى فترة قريبة من يهرع ويأتي إلى المنازل  إذا طلب بالهاتف يبادر بحقيبته وسماعته.

   يكشف على المريض في منزله

يكشف على المريض في منزله .. في  سريره .. پسرعة ورقة وحنان ويقدم الوصفة فورا.. ويدلهم على عنوان الصيدلية .. و التي بها الدواء المطلوب .. لكن بطلت .. هذه العادة الطبية ، واختفى هذا المسلك الحضاري.. والتعامل الإنساني، وأكثر الأطباء - ولا أقول الكل فأظلم البعض - يتهرب من زيارة المرضى في المنازل .. قد تحتاج إلى طبيب وتطلبه ليلأً؟ لا يرد أو يرفع سماعة هاتفه أو يرد صوت معتذراً بأنه غير موجود أو في مهمة بالخارج .. كانما أتفق بعضهم أو جلهم على هذا .. وذلك المبنى المتهدم .. والأثرية المكدسة عند مدخله والذي يسمى بالمستشفى المستعجل والإسعاف العاجل قد غدا صورة من الفوضى التي تزيد أهل المريض آلاما من الانتظار في الطابور الطويل .. أو لطعة الجلوس على المقاعد الخشبية التي تهدمت وتحطمت قوائمها .. ويطول الانتظار والملل حتي يتكرم جناب الممرض أو جنابة الممرضة بالرد ومحادثة الطبيب بشأنك.. وغالبا ما تكون ممرضة أجنبية من أطراف جزر بعيدة لا تعرف عشر كلمات من لغة هذا البلد أو قد تكون "هيامونية" مجهولة الهوية .. بقدرة قادرة أو توسط متوسط أصبحت وأمست ممرضة في مستشفى عام .. المفروض يقدم خدمات عامة ذات طابع إنساني.

طرائف أو منغصات

ومن طرائف أو منغصات ما يعانيه المترددون .. الوصفة واحدة لجميع الأمراض والعلل .. بكل أنواع الغصص كأنها حجاب ذلك المغربي القديم .. والدجال المتجول .. "يداوي كل البلاوى".

سكت الطفل قليلا .. وهدهدته الأم .. وصنعت له شيئا من وصفة بلدية لعلها تسكن الألم قليلا.. والصباح رباح، ولكن بعد ساعة انتفض الصغير أكثر من ذي قبل صارخا يتلوى مولولاً .. توالت الصرخات كسكاكين حادة تمزق أحشاء الأم وهی تلجأ في تلقائية وعفوية إلى الأدعية والابتهالات .. وتوجه بالملام .. والرجاء والتوسل والعتاب نحو زوجها الأب المهلوع

 - شوف لنا دكتور ..

- وأين أجد الدكتور الآن !؟

- في المستشفى 

- المستشفى في الليل لا احد به إلآ ممرض أو ممرضة من غابات آسيا .. أو مجاهل أفريقيا .. حتى اللغة لا يفهمونها إلا بالإشارات إلى مواضع الألم .. وهذا هو التشخيص .. وقرص من الحبوب هذا هو الدواء والعلاج إن تكرم حضرة الممرض وفك الاشتباك من الحديث والثرثرة والقرقرة مع حضرة الممرضة ذات الشفة والأنف والعيون الشقوقة والسحنة "الدارونية".

قالت الأم في فزع ولهفة ودموعها تترقرق:

- أطلب الإسعاف .. قسم النجدة

- طلبناها مرارا وتكرارا .. فما جاءت .. ولا تطمعي بمجيئها ، إصبري إلى الصباح 

- أنا أصبر .. أنت تصبر .. لكن يا رجل .. كيف الولد يصبر !؟ -صحيح لك حق .. فلذة الكبد .. نور العين .. أمل الحياة ..

الحمد لله لقيت الدكتور

وتفث خيوط الدخان من فمه وأنفه في زفرة قوية ومرت لحظات صمت ثقيلة .. وأطرق برأسه ثم قال لزوجته :

- الحمد لله لقيت الدكتور.. فرجت..

وهنا ومض بريق الأمل في نفسها.. وارتسمت بسمة مشرقة على شفتيها بدر و حنتبها ، وصاحت بصوت متهدج : 

- الحمد لله .. أين ؟ .. أمشي له بسرعة

.. هيا .. هيا .. 

- انه الدكتور .. "عبد الرحيم جابر" سأذهب إليه فورا.

وقام مهرولا حتى أنه لم يلبس جورباً .. وانتعل مداسه بسرعة .. لقد تذکر الدكتور "عبدالرحيم جابر" .. جاره في أقصى الشارع، لم يسمع منه في حياته كلمة صارخة .. منذ سنوات طويلة وهو يراه صامتا في ذهابه وإيابه .. يحمل حقيبته التي لابد أن بها أدوات الكشف ومعدات المهنة ، يراها مليئة منبعجة .. وهو لا يعرف إلا اسمه ولقبه .. أحيانا يصادف أن يسأل عنه بعض من الناس قد يخطئون رقم المنزل فيتطوع بإرشادهم .. ويدلهم على المنزل والرقم. 

الدكتور عبد الرحيم جابر

- الدكتور عبد الرحيم جابر في العمارة الزرقاء هناك في أقصى الشارع .

يبدو أن أهله من الدواخل .. من سكان تلك القرى الطيبة .. يلبسون العباءات والجرود .. والطواقي الحمراء .. ذات الذؤابة السوداء المتأرجحة .. كبة من خيوط حريرية متأرجحة عند أقفيتهم وأكتافهم .. تلك الطواقي الحمراء التي كانت تشبه في لونها وفتائلها ما كان يرتديه جنود الإنكشارية .. وقدماء اليونان .. وأعيان البلاد في سوالف العصر والأوان.

الليل يكاد يتناصف .. هدأت أرجل السابلة .. لا بأس للضرورة والحالة الطارئة الملحة إن أزعجه بالذهاب إليه مادام المستشفى لا أمل فيه .. والعيادة المستعجلة اسم على غير مسمى.. وهواتف الدكاترة - حراس الصحة - لا ترد والصيدلية الليلية بعيدة .. وقد تكون في هذه الساعة مغلقة. لا بأس أن يطرق باب جاره في الشارع الدكتور عبد الرحيم جابر.. هكذا اسمه.. ولم يتبادلا البطاقات ولا الزيارات، تعارف تلقائي من بعيد .. أحيانا مجرد تحية عابرة لاهثة .. إيماءة بالرأس .. أو بسمة سريعة ذات طعم تقليدي .. أو تلويحة يد من بعيد .. شأن أغلب سكان العواصم والمدن الكبرى ذات اللهاث والزحام لايعرف بعضهم بعضا بالتزاور والتعارف عن قرب وكتب إنما هو شأن طابع الحياة وزحامها - من بعيد .. بالسماع او صدفة عفوية التلاقی ، على هذا النمط هو يعرفك.. ولا يعرفك .. بالسماع أو من بعيد يتعرف على أحوالك .. أو شئ من سيرتك.

رجل في حاله

لكن الدكتور "عبد الرحيم جابر " رجل يندرج تحت وصف "رجل في حاله" .. صموت .. كتوم .. لاتعرف ماوراء شفتيه الطبقتين.. المزمومتين دوما..لا تدرك ما وراء وخلف هذا الصمت المغرق .. والإطباق للشفتين .. صمت وعزلة .. ترى هل هو منتهى الحكمة .. أم كثرة المشاغل والهموم ،، أم نوع من التكبر والتعالي ..

لابد أن له أصدقاء أو معارف أو زملاء يتبسط معهم، لكن صورته في الشارع هكذا .. وفي السوق والأماكن العامة .. من يراه يحييه .. من قريب أم من يعيد شأن التعارف بين سكان الحي والجيران في المنطقة .. لم يتعرف عليه عن قرب .. لم يجلس إليه .. لم يحتك به .. لم تلامس يداه إلا مرة في موكب تعزيه .. ومرة في مناسبة ، في تهنئة عرس لأحد الجيران صدفة .. كان المقعد بقربه فحياه باليد صدفة .. لم يتمالح معه في مأكل . أو يتباسط معه في مزاح وهدرزة .. قد يلتقي معه في دكان أو سوق أو ربما فی سيارة عامة أو موقف ومحطة سيارة عامة .. وما حاجته به وهو رجل في حاله أو كما يقال في الأوصاف والنعوت .. "خاش قفته" أي داخل قفته لكنه مضطر الآن للذهاب إليه وطرق بابه .. لا بأس بإزعاجه وللضرورات أحكام .. هل يصده ويرده ولا يفتح له قلبه وبابه !؟

أرجو أن يكون رقيقا رحيما فی معاملته .. عندما يشاهد الطفل المريض .. سيكون رفيقا.. رحيما ولو بحكم الممارسة والمهنة والثقافة و تجارب الحياة .. لابد أن يكون من العطف شئ ، قد يكون له أبناء .. أو أبناء أخ أو أخت .. وعرف معنی تلهف وأنشغال الأمل بالطفل المريض

وأول تعلیمات وأخلاقيات ممارسة الطب .. الرحمة .. الرقة ... سعة الصدر .. الشفقة .. الاهتمام والعطف .. مراعاة الظروف والأحوال .. وإرسال بصيص الأمل ولو في لحظات الياس .. والأمور الصعبة .. أو المستعصية .. يحاول تحطيم جدار الياس .

فرحة الأم

فرحت الأم وأضاء في نفسها شعاع الأمل عندما تذكر اسم دكتور وقال إنه جار لهم في الشارع .. ويتبادل معه التحايا في الطريق والسوق .. وهو الوحيد الذي يحمل لقب دكتور في الحي .. وقررت الأم في دخيلة نفسها نذرا لله إن عاش الولد وكبر ودرس وتعلم لتجعله يتخرج طبيباً .. وتوصيه أن يعالج الأطفال في الليل .. ويفتح عيادة ليلية .. ويعالج الفقراء مجانا .. أو بسعر رمزي .. وتذكره بهذه الحالة التي مر بها .. ولهفة قلب الأم عليه .. ونذرت نذر آخر إن رزقت بولد آخر تسميه "عبد الرحيم تيمنا بالدكتور الذي يذهب إليه زوجها .. والذي أسعفه في ليلة حرجة.

ورغم الظرف القلق .. واللحظات المتوترة الحرجة قال زوجها وهو يحاول أن يغالب ضحكته ويكظم سخريته من وعد زوجته ونذرها :

- قالوا في الأمثال (لين يولد ويسموه) وعجبك اسم "عبد الرحيم جابر" قالت 

- وخيره .. اسم خفيف .. لطيف آهو فتح الله عليه وأصبح دكتور يداوي الناس .. واهو انت ! احتجت له آخر الليل .. يا سعد أمه بيه ..

وأخذت تلفلف الولد في لفائف حتی كادت تغمه وتخنقه .. ( ومن الحب ماخنق ) واحتضن الأب ولده .. وهو يستطيع أن يقف على رجليه وإن كان بصعوبة .. فخشي عليه ازدیاد ضربة البرد .. ولسعة الهواء .. 

- اتقوا البرد فأنه قتل أخاكم أبا الدرداء . وهو لا يعرف من هو ابوالدرداء هذا .. لكن عرف أن البرد أذاه إيذاء شديدا .. حتى غدا اسمه علامة تحذير .. ويذكر أيضا أن أبيه -رحمه الله - قتله البرد وجنى عليه رغم تلفلفه بالبرنوس والعباءة .. و"كات الملف" وملابس الصوف .. والمكابرة في الشتاء تقتل ، هذا تحذير للكبار فما بالك بالصغار وأصحاب العظام اللينة الهشة إن تعرضوا للمرض فالاحتياط والعناية أولى 

وحاول البحث عن رقم هاتف الدكتور "عبد الرحيم جابر" بدل أن يباغته وبطب عليه فجأة .. ويزوره بلا موعد ... يهبط عليه داقا الباب .. قد يكون من ذلك النوع المتثاقل الذي لا يرد على دق بابه ولو خلعت الباب .. أو خلع كتفك من الضرب للباب وتورمت يداك .. وازعجت الجيران أو مللت من الضغط على الجرس .. حتى تتهم سكان البيت بالصم .. أو الغياب .. أو الموت ..

لكنه ذاهب لدكتور لابد أن يكون بابه مفتوحاً، وصدره مشروحة وباله واسعا .. وخاصة عند الطوارئ وحالات الضرورة ... ومن يذهب للدكتور إلا في حالات الطوارئ والضرورة .. ما قيمة الأخلاق والنبل والمرؤة والإنسانية إلا في حالات الطوارئ والضرورة.

البحث عن العنوان

بعد تفرية دفتر الهواتف لم يجد له رقما .. لم يسجل رقمه إما تواضعاً.. أو إهمالا.. لم يجد رقمه. هل هو رقم سري؟.. عجيب ... فدكتور مهمته إسعاف الناس ومساعدة البشر لا رقم له أو هو رقم خاص سري ، مثل بعض السياسيين وأصحاب الحيثيات وفئات من الفنانات .. وبنات الليل الحابشات .. هل هو رقم محدود الانتشار بين أصحاب الحيثيات والمقامات العليا .. ربما لا هاتف له .. لم يركب جهازا للمكالمات حرصا على طبلة أذنه ووقته .. وعدم الملاحقات والمضايقة .. او على المصلحة لم تسعفه بتركيب جهاز هاتف مع أن كثرة من الصعاليك والأوباش لهم أكثر من هاتف

وتوكل على الله، وتلفح هو أيضا .. وزر قميصه و سترته وأحكم وثاقه .. ونزل الدرج.. ومن تسرعه وإرتباكه وتماوج أحاسيسه وعواطفه كاد ينزلق ويتدحرج بالطفل وسمي باسم الله .. وانطلق إلى الشارع .. ومع أنه يعرف شكل المنزل الذي يقطن به الدكتور .. ومرارا كثيرة شاهده يدخل ذلك المنزل .. أو يخرج منه .. ويحييه الناس .. أو يحي الناس بشفتيه المطبقتين .. تلويحة يد أو إئماءة رأس أو كلمة مقتضبة أقرب إلى الوشوشة أو الهمس يعرف المنزل لكن أخطاء الوصول إليه .. ارتبك .. تداخلت في نظره مداخل البيوت.. تساوت .. تشابهت .. وهو يتفرس ويبحلق .. يباعد الخطو .. يقارب الخطو .. كانت هناك شجيرات .. هل ازالها أعداء الشجر .. يعرف اللافتة نحاسية ومحفور عليها اسم الدكتور عبد الرحيم جابر".. أين هي؟ هل أصيب بالعمى الليلي ؟ أمسی أعشی؟ بل أين البيت ؟ هل غير زواقه .. أم بدل بابه ؟ |

بعض الناس في سن ومرحلة معينة لايستطيع القراءة ليلا أو في ضوء خافت، تتداخل أو تطمس الحروف في نظرهم لكن ذلك عند كتاب أو صحيفة ومجلة .. لكن لافتة نحاسية.. حروفها غليظة محفورة حفراً باللون الأسود على قطعة نحاس لامعة .. لا تقرأ .. لا ترى ؟ ... عجب ! لكن هاهو يقرأ لافتة سالم الزربوط الطهبولی المقاول- وهل لابد أن يكتب على باب بيته كلمة مقاول ؟! لابأس أن يكتبها وبخط واضح على باب مكتبه .. أو عند باب العمارة التي به مكتبه .. او في إعلان تهئنة وتبريك في الصحيفة التي تتلقى من التجار والسماسرة والمقاولين اعلانات التهاني والتبريكات بالمناسبة المكررة بل يحفرها بعضهم في "اكلشية" ، هل هي لافتة أخرى تقع عليها عينا الباحثان عن لافتة الدكتور، لكن أوضح خطأ من اللافتة المجاورة لها "عبد الموجود عبد المهيمن عبدالعال "خبير تزویر .. كاد يضحك .. وهو شديد الملاحظة والضحك والتعليق من طبعه أو طبيعته .. كاد يضحك لولا مرض الولد والحالة المستعجلة. صاحب هذه اللافتة هل هو متميز.. له خبرة عملية ؟ أم هو خبير في کشف التزوير ؟

هناك متفننون وعلماء في كشف خطوط التزوير لعله أو بالطبع يقصد هذا .. لأن من كانت مهنته وصناعته التزوير عملية حقيقة لا يعلن عن نفسه بلافتة وقالوا في أساليب السخرية "خانب وفي يده شمعة " على كل حال المزورون والنصابون كثيرا وأحيانا أذکی من المحققين والخبراء .. تكاثرت اللافتات .. تزاحمت اللافنات .. إعلانات الخبراء فلان .علان .. فلتان .. من زعيط المزعوط .. لعله اسم الدلال أو لقب الأمجاد .. والصفة .. هكذا .. خريج جامعات أوروبا .. هكذا .. ترى هل مر على جامعات أوروبا دراسة أم فرجة ؟ ما شاء الله جامعات أوروبا .. هو لا يستطيع أن ينطق نطقا سليماً اسم مجرد اسم بعض الجامعات .. آه أيها الكذب والادعاء ما أوسع سوقك .. زعيط المزعوط وأمثاله .. لا يستطيع قراءة ورقة حساب فندق أو مشرب يتسكع فيه .. غاب وغطس وأصبغ على نفسه لقب ورتبة علمية.. إن حافر اللافتات ليس مطلوب منه أن يتفحص في شهادات الناس ومؤهلاتهم خبير خبير .. خريج خريج .. مهندس مهندس .. وناقل الخطا ليس هو صاحب الدعاء .. بائع اللافتات يهمه أجر اللافتة ولو بعث مسيلمة ودخل سوق الإنتخابات لكتب له صاحب اللافتات لافتة بخط جميل وأجر جزيل.

اللافتات النحاسية

تکاثرت اللافتات النحاسية على مداخل البيوت .. أين الدكتور "عبدالرحيم جابر" .. في زحام هذه اللافتات الولد بين يديه يتحرك مازال حيا وعلى يد الدكتور سيكون الأمل قويا ولو في تسكين الألم ... كم يتحمل هؤلاء الأطفال بل كم يصبر ويتحمل أهلهم.. كما قالوا (مایكبر راس لين يشيب راس ) .. الله يخزيك با شيطان كانت اللافتة المنزلية بالأمس أمام عينيه عندما مر من هنا .. أين أنت يادکتور عبدالرحيم جابر " في خضم الزحام أسعفنا أسعفك الله .. لا يعرف فضل الدكاترة وقيمة الطب إلآ من مرض له ولد أو بنت .. أين اللافتة أيها الإنسان الطيب ؟ رحم الله والديك ومن صرف عليك .. ومن علمك حتى أصبحت تعالج أولاد الناس.

واقترب من اللافتة .. تفرس أنه مازال ينظر ويقرا بلا مناظر .. الحمد لله عيونه سليمة .. ليس في أسرته أعمى ولا أعور ولا اعمش ولا أحول .. ولا محمر الجفون .. ههه اقترب من الحائط .. لافتة . "رابح عبدالغنی " رجل أعمال .. وهل هناك رجال أقوال فقط .. كل الناس لها أعمال .. حتى فنون الكلام وأساليب الكلام.. والفكر .. كل ذلك عمل .. الكتابة عمل... الفن عمل .. الإبداع الذهني عمل .. هكذا رجال أعمال .. ملأوا البطاقات .. واللافتات ..لكن الذين يعملون حقيقة لا لافتة لهم .. أو لا يهمهم أمر اللافتات ههه .. الولد سكت.. هل مات بين يديه .. لا .. والحمد لله مازال فيه نبض .. قرب أذنه من صدر الطفل .. أنفاسه بطيئة لكنه يتنفس لعله يحلم .. والأطفال حتى المرضى منهم يحلمون .. ما ألذ وارق أحلام الطفولة لولا تبخرها وضياعها .. يبتسمون وهم في غمار النوم لأحلام جميلة ومشاهدات ملائكية .. هل يستطيع العلم أن يقتحم هذا المجال .. این لافتة الدكتور "عبد الرحيم جابر" ؟ .. كانت أمامه تبرز واضحة عندما لم يكن في حاجة إليها . لم يكن هناك لزوم بها، والآن طارت.. تبخرت .. أم غطاها الشيطان بثوبه. قالوا إن هناك نوعا من الشياطين والعفاريت مختص باخر الليل وبتغطية الأبصار بحيث لاترى ما كنت تراه وترتبك الرؤية .. اللفائف والمكمكمات تلفلفت حول جسد الولد وغدا مثل کرنبة ..طوابق ولفائف .. ولولا أن عينيه وفمه وأنفه خارج اللفائف لأختنق .. وينادی الأب الملهوف من أعماق حسه وبنياط قلبه كل الصالحين والمرابطين والأولياء والصالحات والمرابطات والوليات.

هكذا لم يعرف عالم التصوف والغيبيات والكرامات فروقاً أو تقرفة .. بين الرجل والمرأة .. هناك أولياء ووليات وصالحين وصالحات .. يظهر هذا في نداء واستعمال الناس بهم ]

وقد تكن الصالحات وأصحاب المزارات أرق قلبا كزوجات وأمهات جربن في الحياة الأمومة .. ونادي بتلقائية فطرية. | - يا أمنا عيشة هل تسرع إليه هذه المرابطة من تاورغاء؟ وإن كانت لا تسرع إليه من تاورغاء هل يأتيه "الجيلانی" من بغداد .. أو "الأسمر" من زليطن . أو" بن عروس " من تونس .. لكن بساط الصالحين أسرع لن تعرقلهم جوازات ولاتأشيرات ولاحدود وبوابات .. والله في خلقه شؤون .. أين أنت يا دكتور عبد الرحيم؟ في حي واحد وشارع متقارب تاهت لافتك .. عجيب ما بها .. هل غدت مهنة ؟ وقد كانت هواية البعض العابثين .. والمتبطلين ! "خبير في قراءة الكف واستطلاع الطالع" .. لعنة الله عليك وعلى من أعطاك الشهادة، ولعنة الله اكثر على من أعطاك رخصة .. وجعلها مهنة .. الولد مريض .. وتطالعني لافتة (قراءة كف واستطلاع طالع .. إيه .. وزفر زفرة .. وعاد تلقائيا إلى المناداة على أولياء الله من أطراف العراق ومصر والمغرب والهند والسند .. وهذا دليل على جذور صوفية في أعماقه .. ورهبة من الله .. أو رعب ورهبة من الموت.. أو هي دلالة على إنسانية أولئك الصالحين الأولياء الأطهار من وراء البرزخ والسدیم لا يعرفون حدودة ولا إقليمية ولا تعصب عرقيا .. هم ينادون ويستغاث بهم من أرجاء المعمورة في ساعات الأزمات البرية والبحرية وأخيرا في العصر الحديث الجوية ..

وإن تساءل بعضهم ترى هل عندهم وقت لتلبية استغاثات الناس المتأزمین والاستماع إلى ابتهالاتهم في كل مكان ؟ .. تلك تساؤلات عقلية منطقية .. أما هذه فلحظات توتر عاطفية لا تقاس بهذه المقاييس لعلها من جانب آخر الراحة النفسية وعمق الإيمان شئ يدفع إلى نوع من الاطمئنان وتهدئة الأعصاب ولو بأحلام غيبية .. وعدم اليأس من انتظار الفرج.

من أين قادم ..!؟

ويسمع وقع أقدام ثقيلة ويقترب منه شخص يبدوعلى سحته أنه المتبطلين أو من فئات البطالة المقنعة ،، من أصحاب العيون المتلصلصة .. پسأله في نهرة وكشة : 

- من أين قادم ..!؟ والى أين ذاهب !؟ 

لكن بأي أسلوب يجيبه ؟ أب متلهف في الليل يحمل طفله الصغير يتفرس في اللافتات المنزلية بحثا عن اسم الدكتور.. . هل هو مشكوك في أمره ... متآمر على الحكومة ... هل هو مهرب .. دسيسة .. خسيسة !؟ .. هل يقول له ساخرا هازئا .. ذاهب لأرقص .. أو أبحث عن طبرنة أو أفتش عن بيت سري .. لكن لو سخر به حتما سيجره إلى متاعب لا داع لها.. " فليختصر الطريق أو يسد عليه الطريق .. هذا "اللكع" الذي انبثق من الظلام فجأة .. هولاء من فئة الجهل والغرور لا يجدي معهم مزاح أو حوار .. كلمة ونص أو كلمة وقص .. أجدى.

وبلع الصمت والظلام ذلك المتربص المتسائل، وبرز له .. لا يدري من يمين أو شمال تسلل وفجأة سأل هذا الشخص بيرود

- الساعة كم ؟ سؤال لا معنى له من سحنة لا معنى لها .. إن كان مستعجلا عليه بالمبادرة بالذهاب إلى موعده ومقصده وإن كان غير متعجل ولا ارتباط له .. لا معنى للسؤال عن الوقت والساعة .. وأجاب قطعا ونثرا الإسترساله فقد بدا عليه أنه مستعد أن يطيل ويثرثر .. أجابه في كلمة باترة : 

- فوق اثنی عشر وقريب من واحد. ولم يكتف هذا التسكع بهذا الجواب بل قال :

- هل عندك عود كبريت ؟

وهل هذا وقته يابن الحرام .. أيها اللكعي العطلي. ويخرج العلبة من جيب السترة ويحاول السائل أن يشعل ثلاثة أعواد والريح معاكسة غير مواتية تطفئ أعواد الثقاب .. وخشي أن يدخل معه في حديث عن الثقاب مع أن المصنع عندما فتحوا هللوا له وطبلوا .. ولكن فوجئ ما لم يكن في الحسبان عندما سأل هذا اللكعي العطلی متسلون الكلمات والخطوات :

-عايز حبوب.؟ 

- لا.. الطفل أعطيناه حبوباً وزربوطاً.. وأنا أبحث عن الدكتور. - عندي حبوب لك .. لا للطفل .

- أنا أبحث عن الدكتور !

- أه فهمت تريد الدكتور .. ماركة من الحبوب .. توجد في السوق لكن غالية .. أيه ماركة شديدة .. أنتظر بعد نصف ساعة تكون عندك .. لكن سعر غير عادي .. عليها إقبال من الأغنياء والأجانب .

 وبماذا يجيبه ؟ .. السكوت والإعراض عنه خير وأجدى لولا أن الطفل بين يديه وهمه شغله لصرخ فيه وأدبه، واستغل هذا المتسكع صمت الرجل وظنه يوافق على صفقته وقال:

 - عندي حبوب مسكنة .. وحبوب مهيجة .. وحبوب سلطنة .. أو تحب شمة .. وحتى حقنة يمكن 

وقف الرحل مذهولا .. أو ازداد ذهولا .. هل إلى هذا الحد تسللت وفشت هذه الظاهرة الملعونة بين الشباب الذي جنوا عليه وأضاعوه في بلد ما كانت تعرف هذه الأشياء ؟ .. كم هو ضياع في الدهاليز والمسارب المعتمة من تلك الآفات هز الرجل رأسه متأسفا محوقلا .. وهو يضم طفله باحثا عن الدكتور

-هل تعرف أين الدكتور" عبد الرحيم جابر"؟

- لا يوجد طبيب هنا.

وتواري هذا المتسكع وهو يلتفت كأنما يشعر بأنه مطارد في خفاء.. أو ينتظر زبونا في عتمة الزقاق الملتوي عند شجيرات يبست من الهجران.

ومضى الرجل سائراً في الشارع الذي بدا له أطول من ذي قبل قطع الشارع في حياته آلاف المرات منذ أن قطن هذه المنطقة منذ سنوات طويلة لم يشعر بطوله وثقله هكذا .. يبدو أن المسافات في الطول والقصر شئ مرتبط بالحس النفسي مثل الوقت ووزنه في موضوع التربص والانتظار بل الحياة والمتاعب والأحاسيس أمور نسبية.

الحجاب كشف

ويبدو أن الحجاب كشف .. هاهو يرى اللافتة النحاسية أمامه .. الدكتور عبدالرحيم جابر .. واضحة تلمع بحروف بارزة ، كيف غابت عن رؤاه .. أي ضباب سترها .. لعله دار في شارع أخر وظنه هذا الشارع اللافتة عند المدخل مثبتة عند باب العمارة .. لكن أي دور هو؟ أي طابق ؟ لم يثبت الدور أو الرقم لم يكن هناك جرس حائطي عند اللافتة ، ولا رقم ضوئي .. أي رقم مضاء کالعمارات الحديثة؟ ولا هاتف حائط يوفر عليك صعود الدرج أو المصعد ، ثم هو لا يدري الدور الرابع أم الخامس أم السادس ؟ ألم يكن أحد أطباء القلب وأحد أطباء المفاصل والروماتزم في سطوح الدور الثامن ، والمصعد عاطل عطلة أبدية ، وحدثه ابن عمه أن هذا الطبيب بدل أن ينصح بإصلاح المصعد .. يوجه النصيحة الى

الزبون قائلاً:

- عليك بالراحة .. لا ترهق نفسك .. لا تجهد نفسك .

وازداد صبراً وأملاً وهو يدخل العمارة من ذلك الباب الواسع .. والولد بين يديه ملفلف جيدا لكن خشي أن يختنق ويحقن دمه .. بعض من الأطفال من مبالغة أهلهم في اللفلفات والضم اختنقوا وبعضهم كان له عمر ولكن الاغتمام واللفلفة تعطل نموه .. أو أصيب بعاهة .. هكذا قرأ في كتاب صحي .. ذات مرة صدفة وجده في إحدى ردهات الانتظار حقيقة كل سطر تقرأه مفيد ولو بعد حين .. إنه سيقرأ بعد الآن كل ما يتعلق بالإرشادات الطبية بل لو عاش و کبر سيجعله طبيياً .. لن يجعل أخته آمنة ممرضة ، لأن بعض الممرضات متلكات خاصة المعلومات من شواطئ بعيدة شاهد بعضهن يتسكعن ويتعرضن لبعض الزوار .. والزبائن الذين فيهم لمحة صبوة وجمال ووسامة .. أو رائحة مركز ومال .. أعوذ بالله 

رحم الله الذي اكتشف زربوط الأطفال .. (اللبوس) .. سهل الاستعمال للأمهات عندما يتعرض أطفالهن للحرارة .. رحم الله .. الذي اكتشف "البنسلين" سیدخل واسع الرحمات سيدخل الجنة ويتغمده الله برحمته .. قبل مدرس النحو الشيخ عكاشة القرقاشي ، الذي نهره وضربه فلقة على إعراب بيت ، أو عندما أخطأ في إعراب جملة وضحك عندما أوردها المدرس في نغمته التقليدية. - أكلت السمكة حتى رأسها .. أو حتى راسيها .. أو رأسها

وارتفع صراخ الطفل .. الصراخ بدل على أنه حي يصارع مازال فيه رمق .. لو سکت سكوتا نهائيا معناها مات أو في طريق السكتة الأبدية ، عندما صرخ الولد هنا انتبه الحارس النائم المشخر عند بئر السلم .. استيقظ على صراخ الطفل .. يبدو أن الحارس الهمام خشي أن تتكرر حكاية لفافة طفل عند درج السلم في الشتاء الفائت .. لم يشعر به وكانت فضيحة من شارع بعيد الصقها بهذا الشارع الطيب الذي قد يعربد بعض منهم لكن لا يصل إلى هذا من الاستهتار .

وعلى حس الصراخ تململ الحارس وسأل زاعقا بعد أن تنحنح نحنحة فيها من البرد والخوف واثبات الذات وعاود السوال .

- من ؟ آشكون ؟

وهو يهرش قفاه .. ومؤخرته من براغيث نهشته وحدت الدفء والغذاء في دمه. وكرر صارخا

  • من ؟

ودار حوار على السلم من أعلاه إلى أسفله يتماوج ويتجاوب الصوت و صداه : 

- اريد الدكتور ( عبد الرحيم جابر )

وعندما وصل إلى أذن الحارس هذا الجواب آثر الحارس الراحة ومغالبة التناوب على صعود الدرج أو التفرس والتعرف على وجه هذا السائل القادم فمادام هو يقصد ساكنا وذكر اسمه ولقبه .. يعرف شغله يلعن أبو الجميع . ورمی رأسه على الوسادة وعاد يتلفلف في فراشه ويتهارش مع براغيثه ولكن بقيت عينه .. هل يخرج هذا الزائر أم بيت؟ ولماذا جاء في هذا الهزيع من الليل ؟ ولماذا يصرخ الطفل الذي يحمله ؟ وأقنع الحارس نفسه بأنه لابد أن يكون قريبا للدكتور عبد الرحيم جابر أو من فصيلته .

صعد الدرج وهو يتفرس ويقرا اللافتات أو البطاقات المثبتة على أبواب الشقق .. ها هي الشقة الثامنة من الدور السابع .. ليست لافتة إنما ورقة مثبتة يبدو أن طفلا يتمرن على الكتابة فخربشها .. قد يكون ولد الدكتور عبد الرحيم جابر 

لم ينتبه للكلمة الأخرى .. لا يهمه الجامعة التي تخرج منها .. المهم علاج أو مسكن مستعجل للولد .. لا يعرف الشوق إلا من يكابدة .. لا يعرف مدى معاناة الطفولة إلا من كابد مرض بنته أو ولده .. لا تشرح كلمة "فلذات" الأكباد إلا من معاناة الطفولة الوديعة البريئة .

من الطارق ؟

ووضع الرجل إصبعه على الجرس ، لكن لا أحد يجاوب ... كيف هذا لو كان الدكتور - عبد الرحيم جابر- مسافراً لقال له هذا وأخبره الحارس اللعين .. أو وجد ورقة على اللافتة النحاسية في مدخل العمارة .. أو ورقة على باب الشقة تشير إلى إجازته وسفره وأيضا تاریخ عودته ...لكن العادة والعرف الساري الجاري أن الأطباء إجازتهم وعطلاتهم في موسم الصيف فكيف بهذا الدكتور مختار الإجازة والتغيب عن البلد شتاء .. على كل الغائب أو النائم عذره معه.

وتأكد لديه أنه ليس مسافراً فقد تذكر أنه رأه بالأمس وحياه بكلمة بادکتور .. ودكتور غذت لقب ملصوقاً أو ملزوقاً بعضهم قد تشعرك عند إلتصاقها لدى بعضهم كالقراد .. أو إن كانت في غير مكانها مثل بلغمة أو حجر ثقیل خاصة لأدعياء المعرفة أو من أخذوها سبهللا .. مع أن هناك كثرة من أهل فضل وعلم يحملون اللقب عن جدارة و كفاءة ولكن لا يحبون أن يلصق اللقب بهم أناء الليل وأطراف النهار ..يبدو أن الدكتور يغط في سبات عميق .. وألصق أذنه بالباب - وإن كانت عادة التلصلص بالأذن ليست من شیمته - تری هل الصوت الصادر شخير أم زحير أم هو شبيه بصوت حیوان انقرض ، سمع مثله في أحد الأشرطة .. وكان قد قرأ فی نشرة علمية أيضا طالعها في إحدى ردهات الانتظار .

النوم العميق دليل على الصحة من ناحية .. أو دليل على التراخي والكسل وعدم تحمل مسئولية من ناحية ...

صحيح أكثر الناس نوما وعمقا في النوم أولئك المترهلون الأكلون الشبعون .. عندما تستلم الوسادة رؤوسهم ويتمددون في الفراش .. ويتسلل إليهم النعاس .. يغطون.. فليس لديهم أسباب تقلل منامهم .. أو تزعج وتطرد أحلامهم .. تعرف رؤوسهم الوسائد أكثر مما تعرف حياتهم الجلوس على مقاعد العمل .. الكسول .. النومة لو كان عنده مهمة أو في بيته مريض .. أو تشغله ديون .. أو مهتم موضوع و مسئولية بشكل ما.. أو يؤرقه هاجس أدبي أو فني .. مشغول .. مرتبط .. لديه الزمن محدد .. أي قضية يشغل بها ذهنه .. أو لفائف مخه يكون بالطبع نومه محدداً .. أو متقطعاً .. أو غير عميق .. الإستغراق في النوم يواتي إما طفلا في براءته أو يجرف مترهلاً في بلادته .. ايضا قرأ هذا في فلسفة النوم وأنواعه في کتاب وجده صدفة في أحد الفنادق في جولاته.

وهذهد الطفل بين يديه .. ترى هل جاع ؟ .. ترى ماذا يصنع إن عملها بين يديه .. الله يستر .. لعل الدكتور يفتح الباب .. وإذا لم يجد الدكتور فسيجد عند أهله من يهتم بطفل إذا انساب وطرق في لفائفه .. وفقرع الباب مرة أخرى بأطراف أصابعه.

لن يصنع مثل زوار الليل من أصحاب تنفيذ الأوامر والأحذية الثقيلة أحيانا يقرعون أبواب الناس بكعوب أحذيتهم .. ياله من "ذوق"! 

واصل طرق الباب بيده ... أيام زمان يذكر كانت هناك على الأبواب مطرقة نحاسية لطيفة على شكل أصابع ويد .. قبل انتشار الجرس الكهربائی واشتعل من الداخل ضوء خافت .. وتسلل صوت كأنما به ربكة وبحة خوف .. يبدو من طريقة النبرات والتساؤل شئ من التوجس والارتباك من الطارق المجهول والزائر في وقت غير متوقع

 - من .. من ..آشكون !؟

وتكرر التساؤل من خلف الباب .. ثم سكت هينهة كأن صاحب الصوت يستعد لشيء من وراء الباب قبل فتحه يزرر قميصة .. أو يعدل سترة و"روبا" .. أو . يرتدي - عفوا سيلبس حذاء .. أو ينتعل نعلا. 

وقد سمع خشخشة سرير .. ودبدبة حذاء - .. ونقرة عصا على البلاط .. هل يستعد من يفتح الباب بدبوس وعصا غليظة للاحتياط ؟ وتهامس صاحب الصوت المتسائل مع - صوت آخر يبدو أنها زوجته .. - وطبعا لم تكن هناك العين الزجاجية التي - تلصق بالأبواب والتي تكشف للداخل -شكل الطارق من الخارج - رحم الله من إكتشف هذه العين - لو كانت ملصقة بالباب لوفرت على السائل المرتعب تكرار التساؤل . ولشاهد من الثقب الزجاجي وجه القادم الطارق .. وأراد الرجل الطارق أن يطمئن صاحب البيت فقال : -خير ... خير ... جيران من الشارع

... أريد الدكتور . وجاوب الصوت .. أو الصوتان المرتعبان المتدخلان من وراء الباب.

-من يريد الدكتور ؟ 

- أنا فلان .. من سكان الحومة.

ومرت لحظات مرتعشة ... الدكتور وزوجته يتهامسان ... يتلاغيان .. يتحاوران ... وزادهما حيرة وربكة.. سماعهما لصوتر يئن ویبکی ویکح .. صوت صغير .. مختلط مع صوت داق الباب الذي ذكر اسمه ... وهو غريب على أسماعهما .. يبدو ليس من أقاربهما .. ولا حتى من جيرانهما في البيوت القريبة .. هي تقول :

- لا تفتح

وهو يقول :

- لابد أفتح الباب. -

 وتكرر السؤال أكثر من مرة.

- من يدق على الباب ؟ ماذا تريد !؟ 

وتكرر الجواب بنفس الإيقاع والنغمة .. والجواب لم يوضح مجهولا ولم يكشف غامضة. وليس فيه شرح للمطلوب المرغوب .. لم يطمئن سائلا وراء الباب .. ولم يطمئن الدكتور عبد الرحيم جابر لفتح الباب .. و لم يتشجع إلا بعد سمع صراخ الطفل .... ها ...ه ... وا...وا ... لأنه لا يمكن أن يلقى عليه القبض عسكري في جوف الليل وفي يده طفل ... ولا يمكن أو يتصور أن يقتحم باب بيته لص وفي يده او غمره طفل .. وطفل يصرخ. والثار أو النزاع الذي بين الطهبولى وأخيه يطمئنه أن الأول عقيم لا طفل له .. والثاني أعزب لم يتزوج.

إذا الموضوع لا يتعلق بالمتخاصمين معه .. لا أخيه ..ولا الطهبولي .. ولا الشهلولي الذي سافر وراء البحار ، وكفاه الله شر العسكري في جوف الليل .. وشر اللصوص ... ومتاعب الخصومات والمناكفات .. وارتاح من مشاكل النزاع على شجرة هرمة وبقر معطلة .. هو رجل متحضر لا يحب الشغب والمشاغبات وتوارث الخصومات .. بل هو مثقف فض النزاع بين المتخاصمين بأسلوب علمي ومنطقي .. لا بخبط الفؤوس .. وضرب الموس .. والتهديد بالدبوس .. وتغلب عليه جانب العقل والمنطق ... وأزاح زوجته بكتفه وهي تمنعه من فتح الباب .. أقنع نفسه أو لم يستطع أن يقنعها .. ويظهر أن أكبر فیلسوف .. وجهبذ عالم منطقي لا يستطيع أن يقنع امرأة إذا عاندت وتصلبت وركبت رأسها .. أقنع نفسه إن لم يكن بعامل الإنسانية فبعامل محب الاستطلاع .. لماذا يبکی هذا الطفل ..؟ ومن الذي معه ؟ أو هو يفتح الباب ليكن هذا الطارق عن الإلحاح ومواصلة الطرق ..

في منزل الدكتور ؟

وفتح الباب .. وكانت الزوجة خلفه. وكان في يدها شيء لعلها تريد حماية زوجها إن كان هناك ما يدعو لهذا ... وقد صحي ابن الدكتور وهو من النوع السمين الملظلظ لم يترك فرك عينيه من النعاس ، كما لم یتر که التتاؤب. وقامت أيضا طفلة صغيرة .. من نومها مذعورة .. وسأل الدكتور وهو يتفحص هذا القادم:

- خير إن شاء الله. ولأول مرة في حياتهم سواء قبل أن يأخذ الدكتوراه أو بعد أن أخذ الدكتوراه يقرع عليهما قارع في منتصف الليل ، وحمدا لله على أنه ليس ضيف .. ففناجين القهوة ظلت بورقها من عام عرسهما لم يفضها إنس ولا جان ، والشوك والملاعق والسكاكين لاتزال بورقها الشفاف ، هو لا يحب أن يتعب الناس ولا أن يتعبه الناس. الوجهان المتقابلان لم يكونا غريبين عن بعضهما .. معرفة وجه وتلاقي ..رصيف وسوف .. ما أكثر ما تلاقيا وألقيا التحية العابرة ..

- كيف حالك يا دكتور ؟

- كيف حالك يا أستاذ ؟ مدة طويلة في الطريق العام .. أو عند الجسر .. وعند المقهى ، ولم يدع أحدهما ع الآخر حتى على فنجان قهوة .. إنما اللقاء صدفة على رصيف المقهى .. أو باب الجامع .. ربما في صلاة العيد لم يتزاورا في حياتهما شأن سكان المناطق الحجرية .. تعرفه في الشارع والسوق ثلاثين عاما لا يدخل بيتك ولا تدخل بيته .. ولا يتلاقيا إلا في حفل عقد قران او زحام جنازة ومأتم .. عفاك الله من روح المناطق الحجرية الهامدة. وكان طبيعي مجرد کرم لفظي أن تبدو منه عبارة :

 - تفضل .. خير .. تفضل.

ودلف الرجل داخلا وهو يحمل طفله بين يديه وجد نفسه في ردهة نظيفة واسعة .. ومستطيلة يبدو أن هناك عجوزة نائمة في طرف الردهة تفترش الأرض لم يجدوا لها مكانا يظهر أنها إحدى قريبات الدكتور .. وقامت الزوجة في حركة مسرعة لتغطية العجوز التي لم توقظها من نومها العميق كل هذه الجلبة .. ألم تكن المسكينة خرساء .. بكماء .. من يعرف ؟ قال الرجل للدكتور :

- سامحني يا دكتور إحنا ولاد شارع. ثم تدارك قائلا:

-ولاد شارع واحد .. لأنه خشي أن يفسر أولاد شارع فقط بمعنی صعاليك أو ردیف .. أو لا إنضباط هم .. ضيع ، لكن عبارة ولاد شارع واحد نقصد جيران.. ولاد حومة .. أبناء منطقة وقد تكون الجيرة أحسن وأعمق من القرابة أحيانا. وأجاب الدكتور ومازال الذهول بربکه :

- خير إن شاء الله

- الولد مریض وبادر الرجل بوضع ولده الملفوف على المقعد المستطيل المائل قليلا حتى كاد الولد ينزلق بلفائفه ليقع على الأرض .. لولا أن بادرت زوجة الدكتور بانقاذه من الوقوع.. ويغريزة الحنان الطبيعي للمرأة وبحس الأمومة أشفقت عليه وحاولت تهدئته وإسكاته. 

- الولد مريض. أجاب :

لاباس ، الله يشفيه كل الأولاد والصغار عرضة للمرض وخاصة في هذا السن وفي هذا الطقس .. هذا موسم البرد. وقال الرجل في دخيلة نفسه وهو يتمالك أعصابه : 

-وهل هذا جواب منتظر منك يا دكتور؟ هل جئت به لتدعو الله يشفيه و لقد دعت أمه دعوات حارة من قبل .. والأمهات والآباء أقرب إلى إجابة الدعاء المهم كرر عبارة :

- الولد مریض با دکتور. يبس ريقه. جف حلقه .. خجل أن يطلب شربة ماء .. المهم .. الأهم العناية بالولد .. لكن مسحت عيناه المكان بنظرة فاحصة ... ليس في الردهة ما يدل على أنها عيادة ... لا قائمة أسعار .. ولا شعار الصحة ولا علامة الهلال الأحمر والصليب الأحمر . ولا كتب طبية مبعثرة ومجلات .. ولا معطف أبيض معلق .. ولا قفاز أبيض .. ولا سماعة .. أو آلة قياس الضغط .. ولا صورة من قسم الأطباء من عهد بقراط 

.. وإن كان بعض الممرضين وشبه الأطباء ينطفه "بقرات ".. لعله منزل الدكتور وليس به عيادة ! قال الدكتور "عبد الرحيم جابر" تحت وطأة الأمر الواقع :

- أدخل في الصالون. 

- لا.. من فضلك اكشف على الولد هنا .. جزاك الله خيرا.

وكانت القذيفة غير المنتظرة - أنا لست دكتوراً

 إزاء هذه الرجة والمفاجأة قال الرجل :

- كيف ؟ أمال أيش اللافتة الطويلة عند الباب. 

- يظهر أن الأمر إلتبس عليك أنا دكتور ولست طبيباً.

 قال الرجل:

- كل دكتور طبيب.. هذا شي معروف. 

- لكن هناك دكاترة ليسوا أطباء .. عندك إلتباس وأصارحك أنا لا أعرف كيف أكشف عليه ولا يوجد عندي حتى قرص أسبيرو في البيت. 

- من فضلك أعطه ولو مسكن.

- لا يوجد عندي مسكن. 

- زربوط سريع .. حرارته بلغت الأربعين.

 - ولازربوط عندي.

- مسهل .. الله يسهل لك الأحوال ويجعل لك في كل خطوة سلامة .. والشفا إن شاء الله على يديك.

دكتور ايش ؟

ودارت الأرض به.. وهو يحاول التشبت بخيط من الأمل أو بصيص من شعاع في هذه الدوامة التي أظلمت في عينيه.

- يا سيدي الدكتور في عرضك .. المسألة إنسانية ، ولولا هذا لم أقتحم بيتك في هذا الوقت المتأخر من الليل. 

- لكن أعذرني هذا ليس من عملي ولا اختصاصي اذهب للمستشفى ، أنا ولدی وبنتي عندما تأتيهما حالة المرض اذهب بهما إلى المستشفى .

 - أنا يا دکتور أعرف أن البلد بها مستشفيات لكن ظروف المرض الطارئ .. والطفل لايرحم أهله .. الأنين .. والبكاء 

- يا أستاذ مقدر ظروفك .. والله أنا مقدر ظروفك .. لكن أنا لست دكتور أطفال .. ولاكبار .. ولا دخل لي في الأمراض إلا أمراض التخلف الحضاري .. والانهيار الحضاري من الجانب الفلسفي.

- نعم .. نعم .. أمال أنت أيش !؟ 

- أنا دكتور في الفلسفة أدرس بالجامعات .. ومعار حتى في الخارج .. دكتور في الفلسفة أنت فاهم وإلا أنت لا تفهم ؟

ولم يفهم .. أو لا يريد أن يفهم هذا الكلام وهو في دوامة، وصمت الرجل .. ثم زم .. وبرطم .. وهمهم بكلام غير واضح الحروف والكلمات في لحظة بأسی مرير .. أو لحظة جنون طاری ، لم يشعر الرجل إلآ ويده تهوي بصفعة ماكنة على وجه الدكتور "عبد الرحيم جابر " .. الإنسان الذي لم يوذ إنسانا في حياته .. والرجل يهر هريرة ويكز بأسنانه ويقول في عصبية وتوتر :

- دكتور ایش!؟

وفي لحظات لا تقدر بمقياس فيها ملیون وامضة وخواطر متداخلة .. ومليون کرات دموية تتماوج .. هل يضربه الدكتور .. ويرد الكف كفين .. مع ركلة ويعفجه عفجة ربما أودت بحياته .. وطاحت روحه !

هل تكون فضيحة وكارثة على أسرتين ؟ .. الضارب والمضروب ، الظالم والمظلوم .. أي منطق في لحظات هذه الدوامة .. هل تتبخر كل مقاييس العلم والمنطق؟ أي شيطان .. أي حظ .. ساق هذا التعس الملعون إليه ، وفي داره .. ويين عيون أهله وزوجه !

هم أن ينقض عليه .. لكن تذكر وصية أمه .. تلك المرأة الصالحة التقية ، قبل أن يقدم على فعلة خطيرة بدافع الغضب لابد أن يلعن الشيطان .. ويعد مجموعة من الأعداد .. أو يسبح الله ويستغفر ليغير مجرى التفكير الانتقامي. هل يتشائم ويتسابب معه ؟ .. شيء ليس من مستواه وهل هناك أحد لا يحفظ من قاموس الشتائم والنعوت البذيئة ولو صفحة أو صفحتين ؟ هل يرفع عليه قضية ويجرجره للمحاكمات ؟ شئ يطول وستكون له مضاعفات وذيول .. هل يرد له اعتداءه أمام أهله وناسه وفي الشارع .. ستكون عند ذاك شائعات ذائعات کالبعوض والهابوش توالد منها شائعات .. ومزایدات.

لو كان المسيح عليه السلام نفسه في هذا الموقف ماذا يصنع ؟ هل من ضربك على خدك الأيمن أعطه خدك الأيسر ..... تطبق ؟ ما أظن أقرب الناس إلى المسيح عليه السلام يصنعها. بل قد يكظم غيظه ويتسامح ويرحم .. لكن لن يعطه خده الآخر خاصة في عهود الاستغلال . وظلم الإنسان لأخيه الإنسان والقاعدة القرآنية الأخلاقية .. "ومن عفى و أصلح فأجره على الله "

وهاجت الزوجة وماجت .. وانشغل باسكاتها .. ومحاولة إغلاق فمها الذي اخذ کنافورة تتدفق بألوان من الشتائم ومع هذا لم تستيقظ العجوز النائمة في الردهة .. بل ازداد شخيرها .. يظهر أنهم أتعبوها طوال النهار في خدمة البيت و کنسه ورشه .. وتنفيض المغبر

تمالك "الدكتور عبد الرحيم " أعصابه وغلب جانب المنطق على الانفعال .. ورد الفعل المباشر .. مقدرة خطورة ما يحدث من مضاعفات وشائعات. ونظر إلى الطفل الملفلف لولا هذه النفس البريئة ما احتد هذا الأب السطحي الانفعال، ماذنب الطفل أن يكون سبيا في مقاضاة والده .. وتحطيم أسرته ؟

موازنات في لحظة تفكير رغم الدوامة العاتية .. وهو في الصباح عنده لجنة الامتحان للطلاب ومقابلات شخصية للترقيات العلمية ، فلو تشاجر وتلاکم وتجرجر لضاع جدول البرنامج العلمي لعام وأكثر .. والطفل المريض زاد صراخه .. كان منظره أيضا من عوامل الحيلولة رد الكف كفين. قال الدكتور عبد الرحيم جابر : 

- لا باس .. سامحك الله.

 وانهار الرجل .. في دوامة صمت وحيرة .. كأنما هو يوبخ نفسه في لحظة تأنيب الذات.

وأخذ الدكتور عبد الرحيم حاير ورقة صغيرة كتب بها سطرين وقدمها للرجل .. راجيا أن يذهب بها في الصباح لدكتور طبيب يعرفه .. يوصیه به ، فتسلم الرجل الورقة وهو مطرق الرأس .. دامع العين صامتة .. ماذا صنع ؟! .. وانسحب يحمل طفله متحيرا .. غارقا في صمته.

أغلق الدكتور الباب في ذهول وصمت .. بينه وين نفسه أخذ يفلسف الموضوع ويستعرض الظاهرة أو الحالة .. والمقدمات والنتائج .. ولو صار سيصير .. ولو كان سيكون.

 قالت الزوجة وهي تعلل وتستنبط ، مظهرة | اتساع عقلها وعمق مدارکها و مفهوميتها:

- لابد أنها مؤامرة من رئيس القسم بالجامعة لتأخير ترقيتك وسحب الكرسي من تحتك. وسكت .. والنوم طار من عينه .

كان أول شئ فعله الدكتور " عبد الرحيم جابر " في الصباح .. باكرا .. نزل وفي يده شاكوش وكلاب وازال من عند مدخل العمارة اللافتة النحاسية التي بها اسمه .. واكتفى بلقب دكتوراه على الشفاه وفي البطاقة الورقية .. بدل اللافتة .

بعد أشهر كانت تحمله باخرة للعمل رئيسا لقسم في جامعة بعيدة .

_________

* نشرت القصة في مجلة الفصول الأربعة السنة الحادية والعشرون العدد 86 - يناير 1996م






































 


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -