كلام الجثة!..للقاص سالم الهنداوي |
مَنْ يَجْرُؤْ؟
مَنْ يَجْرُؤْ أَنْ يَبْصُقَ فِي الْجَثَّةْ؟
بدءاً من هلالين ارجوانيين وحبلٍ يتدلّى مِنْ قمة فيِ تلْهْ ، يناغِي الجسد المطوي فيِ الدفترْ / فصلانِ من مهزلهْ / .... ويُحاكِي الأريافَ الترابيةَ بلغةٍ قاسية / لغة أن تَذْبَحْ أو تذبح/ ... وبحرُ اغتربنا - حاصَرنا اليباسْ - بحر في مد - جنون الطقسِ - حمى زمان .
فَتَحَتْ ذراعيِها الأُمهَ
لا.. بلْ فَتَحَتْ ساقيها الأُمهَ.
اضاعتنا نغماً محزوناً .. فؤاداً مرتعبْ.
في مطلع الأخبارِ ، قيلَ الجثهْ (بيان) .
في مطلعِ القتالِ ، كانتْ الجثة ( إذان ) .
.. لكنهم نصبوا الأرزةَ مقلوبة بذات الألوان.
من منكم حدق في التكوين ..
أن يعبر الجسر الجنون ، وأن تسكت . صهِ ... لا تتكلم . ثم انتهينا..
ثم مرت ملالات العدو تخترق في خطوطاً جنوبيةً مفقؤة" بالبيان الساكت .. جثمت فوق جسد السيد الجنوبِ وهو يعيد رتيب الأرزه.
صيدا
صاح زياد:
-صيدا
كنا نهزك..لكن ما الثمر تبدد.. وما وجدناه ، وما انقطع الحبل الحاكي الذي يتدلى.
ثملنا ثمود والصخرة ، ونزع البساط ، والجمر اللاهب وسط الأكليل.
صيدا
صرخة زياد تتردد صدى تصاعدياً مولولاً تارةً في الريح ، وتارة في ضرم الجحيم الذى لا يطاق/ ... استيقظنا إلى السبات / في كل صبح جثة متخمة بالريح.
صيدا
كنا نهزك / أجنة ياصيدا .. أولاد ... مقاومة .
اشعلت في الطريقِ المتعرجة سيجارتين، واحدة لعدنان ، وواحدة لفاطمة ... ولوحة من دخان كثيف تجسيم ل(بيريز).. الزبير يزر أفقأ- عينيه ، فصحيت على صوتِ أهل الجنوب يوقظون الصمت، يوقظون الزلزال.
فاطمة
في ساحة - جسر الأولى - فاطمة تحوك قطعة الرداء الأسود لولد لم يبلغ الثمانيه اسمه "زياد"" ، مشاغب/ مارد/ حاد - استنتطق الريح - مراکب دفلى و ارز ، فقالت:
- اختبيء ضدي ..
داوود .
که ما غنى وما نطق/ مد ذراعين صغيرين کجدعى طائر البصباص وانسهم ولجاً يفرك صداً جدائل خراف الريح الآتية .. وما أفلت وما انضجعت، غير أنها بکت فضها تنوح رصاصاً قاسياً في خياله الصغير وما ارتعب.
- هيا نلعب
لأن الموت مكعبات ملقاة في القارعة السياسية الداعر، لبس داوود رداءه الأسود وعاد متخفياً في الظلام ، وحين أوشى القمر الصغير همسه و هجسه للشمس .. فأجاته باندلاعِ الضوءِ خلف الأرزة يمشط شعره بهياكل المخيمات .
صحيح .. بصقت فيه الشمس لعنتها الإلهية وما رحل/ سامراً ما رحل/…
صنعت ظلالاً مقاتلة وتأوهت مضروعة للشموس صغيرة واهية كبرت في مهدها بفعل التجويق ، لأن الطواف الآتي ليس حول الكعبة.
عدنان
من يملك جمره ؟
من يطفيء لهب الجثة ؟
من يمسك ابليس العاري في كل العواصم ؟ ناحت "فاطمة" ، نحب "عدنان"... مشنوقاً بحبل التله .
من يقطع حبل التله ؟
متعرجة طرقات الجنوبِ من - صيدا - إلى - راشيا- ، و داوود يلاحق جماعات المقاومة الناحبة في البدء قبل الرصاصة المزدانةِ بشرابِ عدنان / شرابه تراب غال أجس / مكبرات الصوت المكفتة بالخديعة تعلن (المارينز) والف حذاء نجس/ …
خسارة ...
من فقطع عنق عدنان ؟
الشهادة…؟
من شاهد نعيق الغربان ، في صبرا وشاتيلا ؟
هل صیدا نهد لذ ؟
لم تكن مِسك الطواف للمتعري الجوال .
كانت هي الزلزال الشاهد .
لم تنم في الجنوب الأرزه ، ولا ميزون ولا مريم .
التلهَ
- أفق يا زياد .
.. قالت بعض الوجوه النافرة في ساحة "الأولى".
لم يقرع باب به فاطمة / ... ولا مريم / بعضهم شهداء ، وبعضهم شهود عيان.
- أفِق يا عدنان .
التلة بها رجال" يهترون ، وأمشاط الرشاش تلفظ كبتات القتل المباح. کم الساعة الآن ؟
قالت فاطمة وأزالت قطعة القماشِ عن شقفة البدر:
- هل أعجبكم موتهِ ؟!!
جميل هذا الجسد النابض المكفن بقطعة من عباءة داوود..عيناه لوزتانِ غابيتان، وجنتان من لهج جنوني/.. يشير حيله إلى الساحة:
-هل صلت لنا الشمس ؟؟!
قالت فاطمة غاضبة:
أسكت ..أسكت، كن میتاً
لا تتحرك .. أضعت الشقاعة.
دقات القلوب الأرجوانية / دقات موسيقي الطواف المشبوه لكل الفصول .. لم يسكت صرخات النار في قلب القتيل .
تدلى الحبل حتى انقطع / تمزق ، في صيدا رداء داوود ، وأتت تعوی الریح تحمل في رحمِها الكثيف نجمة مهشمة / کم سهم في التشكيل المتلاشی / انفلت زیاد من كفنهِ يراقص عنو الزلزال، ويغنی مطلعة جنونية:
- ( بدي أرزه بكل البلده
بدی زناد لكل عناد
……..؟)
لبِست فاطمة حلى الوصلِ ترش الأرز في طريقِ المقاومة !!
نرحب بتعليقاتكم