📁 آخر الأخبار

صديقان تحت المطر..للقاص سالم الكبتي

صديقان تحت المطر..للقاص سالم الكبتي

مطر 

مطر .. مطر ..
والمقهى صغير مثل علبة ضيقة ومكتظ بعدد من الناس .. وخيوط الدخان المنطلقة من شفاههم بحرارة تحلق خلاله في تموجات رمادية و تتوهج قليلا .. قليلا تحت الضوء ، والنادل في أقصى الزاوية يتبادل النكات القديمة مع أحد الرواد ..
مطر .. مطر ..
والليل بدأ يهبط .. يغلف قلب المدينة ، ولا شيء .. لا شيء آخر !!|
صديقان في أحد أركان المقهى كانا يشعران إذ ذاك بالسأم .. ويتحدثان مع بعضهما بخفوت .. ويحتسيان القهوة . دائما يفعلان ذلك . أعني كل مساء .
-"أين سنذهب هذه الليلة .. قل لي؟!"
هتف أحدهما إلى الآخر .. على حين کح كحة حادة وعدل من وضع باقة معطفه .
- لا أدري .. أنا لا أدري بالضبط في الخارج ، وعلينا الانتظار ..
- " فكر معي وقل لي أين سنذهب ؟"
قال الأول في الحاح عجیب انتبه له أحد بالقرب منهما...
مسح صديقه الثاني رحاب المقهى بنظرات جادة..ثم صاح به...
- "ليس هناك مكان نظيف وجيد الإضاءة تمضي اليه سوى هذا المقهى العجوز .. أو تلك "المربوعة الرطبة" التي يسهر فيها بقية الرفاق..أعني تمتع بهذا الدفء هنا.. واخنق سأمك في هذه الليلة الباردة عبر فنجان من القهوة. هذا كل ما هنالك كما هو الشأن المعتاد باستمرار.. باستمرار"
- "هل أحكي لك عن المطر قتلاً السأم ؟!"
هتف صديقه مرة أخرى ..
دعني .. أعرف بدونك انه يسقط في فصل الشتاء ، أذهب و حکایاتك إلى الجحيم .. !!"
"ليس هناك أروع من المطر .. تصور معى هذا ، وعلى أية حال ، فإن غداً يوم جمعة .. وقد التقيت أحد اصحاب ظهيرة اليوم ووعدنا بمفاجأة الليلة انه سيأتي الى هنا بعد قليل ..

مفاجأة  

وصمنا معاً وقتاً طويلاً ، زفر بعده صديقه زفرة غيرعادية .. ثم قال ..
- هل قلت أن غدا يوم جمعة .. أف .. أنا لا أدري لماذا أشعر بالانزعاج حياله .. كأن موتي سيقع فيه ، انی لا أرغب في ايما شيء .. وأعرف أن المفاجأة ستكون مجرد "عراسة" صادحة ليس غير .. فالليلة ليلة جمعة . وما أبهج قطط الشوارع فيها ، اسمع .. أن سأمي يزداد معی كل لحظة مثل لهيب من النار .. وإذا كنت تود الذهاب لوحدك .. فعليك أن تنطلق .. ليس ثمة معارضة لدي أنا سوف أظل أتمتع بسأمي وحيداً هنا .. ثم سأشنق بقاياه أيضا .. وأدخل إلى احدى دور العرض فقد علمت منذ قليل أن فيلم "زوربا"، سيعرض الليلة في واحدة منها ...
مطر .. مطر .
والمقهى صغير مثل علية ضيقة. فيما يظل منزرعاً في کرسبه . يحرق لفافته بنهم .. بينما يتر که صديقه الآخر ويروح
- "مکان نظيف وجيد الإضاءة .. آه. اللعنة ، كل اللعنة ، على السأم .. ليس ثمة شيء آخر .."
هتف في نفسه بذلك ، ومرت الدقائق برتابة .. برتابة قاحلة .. فيما شرع المقهى يتنظف من رواده شيئا فشيئا .
- " يا إلهي .. ان الرجال يبدون هنا مبهجين ليلة الجمعة!!"
قال ذلك بخفوت وهو يرمق بنظرات منطلقة إلى أقصى مدى.. أولئك الرواد الذين أشاحوا عن المقهى بأقفيتهم و مطر ،، مطر دافي، ينتال بتدفق ، ويغمر العالم كله وتزغرد حياته راقصة فوق الأرصفة ..ثمة ساعة معلقة في صدر الجدار.. ظل ينظر إليها في وجوم بالغ..
- " يا لها من ساعة سخيفة.. أن دقائقها تمر مملة ثقيلة .. مثل السأم، مثل السماء ذاته .. ولا تتغير لحظاتها بسرعة.."
ويرد له النادل بقية الفكة.. ثم يفلت مسرعا إلى دار العرض ..
كان "زوربا" و هناك .. ويظل يتابعه بعينيه وهو يقع في حب احدى العجائز ، وهو يرقص في أوقات مرحه المجنون .. وهو مغبر الوجه مع عمال "كریت" ، وهو ..و هو .. و هو
ثم يعود الى بيته البعيد ..

السأم

كان السأم لا يزال يحفز قلبه .. والطريق طويلة ، وكانت أصداء موسيقى الفيلم ترد في سمعه .. وتستنهض من همته !!
. ومطر
مطر .. لا شيء الآن سوى المطر يغسل المدينة ..
تذكر صديقه .. وشاهد في خياله "العراسة" ، وهم خلال هذا الوقت من الليل بشکون اللوعة .. ونار الغلا .. و صهر القبلي .
وألف شيء ثان !!
- "ليس هناك أروع من المطر "!!
رددت شفتاه ذلك بهدوء عميق . أحس بشعور مذهل كما لو أنه زوربا پسير تحت المطر .
-" قتلاً للسأم .. ليس هناك أروع من المطر" !!
وغاب في الطريق ..
. الساعة تقارب الثانية عشرة ..
ولج إلى فراشه .. و نام .. قتلاً للسأم
... في الصباح أشرقت الشمس من جديد .. من جديد !!

صحيفة المنظار الليبية
صحيفة المنظار الليبية
تعليقات