📁 آخر الأخبار

كيف خذلنا خالد النبوي ؟.. لمجاهد البوسيفي

    ‎كيف خذلنا خالد النبوي ؟.. لمجاهد البوسيفي

      جاء مسلسل رسالة الايام مخيبا للظن، بعد انتظار وبعض الامل.افهم أن كتابة عمل جاد للاحداث الحقيقية لزمن وأفكار الامام الشافعي أمر صعب في مرحلة هواها سلفي-أمني، لكن وجود خالد النبوي كبطل للعمل اعطى جرعة من التفاؤل.
أما الامام الشافعي فهو قصة درامية بامتياز، تحوي كل شيء من الهمة الى القدرة الفكرية، اذ عاش حياة حافلة من الترحال والاقامة الطويلة في المدينة المنورة ومكة واليمن وبغداد ثم مصر، اشتغل بالقضاء والسياسة وتخصص في طلب العلم وتدريسه، كان تلميذا للامام مالك ومعلم لفقه ابي حنيفة ثم استاذا للامام ابى حنبل، جمع بين تجربة المدن الكبرى وعلم ائمة المذاهب، ثم نزل الى مصر حيث استقر واعاد تنقيح كتابيه (الرسالة والأم)، وأخذ يدعو لافكاره والدفاع عنها.

كيف خذلنا خالد النبوي ؟.. لمجاهد البوسيفي
   يعتبر (الامام الشافعي) مؤسس لعلم اصول الفقه، اي المفكر الذي صاغ علم تكوين منظومة قوانين مبنية على الفتوى المستنبطة بدورها، حسب المفهموم آنذاك من مصدري الكتاب والسنة. يعني ليس فقط انشأ مذهب ولكنه جعل من مسألة بقاء هذا النوع من (العلم) ممكنة عبر وضع اسس (معرفية) تثبته في الواقع والعقل لليوم.
     الفترة اللي يرويها العمل يفترض انها شهدت ميلاد مذهبين: الاول للامام مالك والثاني للامام ابي حنيفة، وعلى وشك ان ينشأ مذهب ثالث للشافعي، وكان ابن حنبل ايضا يشتغل على مذهبه في الاثناء ،وهي بذلك فترة استثنائية بكل المقاييس.

    يفترض ان الغرض من العمل (رسالة الايام)، هو عرض ومناقشة افكار الامام ،وعرض ردود فعلها ودفاعها عن نفسها ، لأن ذلك هو سبب وجود العمل بالاساس، ليس كما هي تماما بالطبع ولكن على الاقل لمحات واشارات كافية لفهم كيف نشأ مذهب الشافعي ؟، وماهي الافكار التي واجهته؟، ولماذا بقى هو مع ثلاثة مذاهب اخرى تتقاسم اغلبية المسلمين الى اليوم؟، دونا عن كل الافكار الاخرى التي لابد انها وجدت في تلك الايام.

    القصد انها فترة مفصلية في تاريخنا تحكمنا الى اليوم، والامام الشافعي كان في القلب منها نظم لها الدروب واعطاها الحجة ، ودون لها نظرية معرفية في اجتهاد اراه عظيم ومتفرد في قدرته على البقاء، وهو مناسب لمرحلته بل ربما متقدم عليها، واللعب في هذه الفترة هو كما يقول المصريون يشبه (اللعب في الدماغ)، وبديهي لمن في موقف النبوي ان يكون عارفا لكل هذا عن تلك المرحلة وبطلها الامام الشافعي، ومدركا ايضا لما تحمله القصة (الحقيقية) له من تحدي فني ايجابي، يبرز مناطق جديدة فيه.

مسلسل رسالة الايام مخيبا للظن، بعد انتظار وبعض الامل

     لكن بالنسبة لي و20 حلقة تابعتها، لم اشاهد شيء تقريبا من هذا، ولا حتى ما يوحي به في الواقع، مجرد عرض تلك المجادلات ولو في لمحات يبدو امراً غير مهم لصناع العمل، لا اتذكر انني شاهدت مشهدا واحدا يشير الى ان زمن المسلسل يشهد تشكل المذاهب الاربعة التي نتبعها الى اليوم، كبديل شاهدت مشاهد عديدة تكرر التحذير من الفتنة ،وتحث على ضرورة لزوم الجماعة، والرضى بالقدر مع حوارات عامة محشوة بالآيات والاحاديث لقفل النقاش، ونتف من اشعار الامام المشهورة وهو بالمناسبة قائل بيت: تموت الاسود في الغابات جوعا.... وبيت: سافر ففي الاسفار، وابيات اخرى سارية بين الناس لليوم وهو ملمح جديد على اهمية هذا الرجل وقدرته على الوصول للفئات الاجتماعية الشعبية.

الحاصل توقعت ان ممثل مثل النبوي، قادر على احداث بعض التحسن في الحوار والاحداث ، ولكنه تصرف كأنه لا يعرف اهمية الشافعي وقوة تأثيره في التاريخ، امامنا شخص سوبر ريلكس دائم الابتسام (ببلاهة ربما)، متقبل للقدر حريصا على العافية معبرا عن كل ذلك بجمل عامة غير قادرة على الصمود في وجه ادنى تحليل.

     ففي مشهد يعتبر جريء بمقياس المسلسل، يأتي شيخ زميل بأحدى حلقات المسجد نحو الشافعي، ويطلب رايه (لا نعرف في ماذا) فيرد الامام بكلام به آية قرآن وحديث نبوي، تحثان على التمسك بالجماعة وعدم الخروج عنها، وفوراً يسلم الشيخ المقابل بكلامه ويشهد له بالحق كأنه اكتشف العجلة ثم يرجع لحلقته مبتسما مليئا بالايمان والسكينة والرضى بعد هذا الفتح الفكري ، وهذا يعتبر من حوارات العمل الثقيلة نوعا ما. 

    افهم ان هذا هو الموجود في سوق المسلسلات التاريخية حاليا ، وافهم ان النبوي في النهاية ممثل ويريد العمل، ولكن افهم ايضا انه بامكانه اختيار عمل آخر بما انه مطلوب في السوق، عوض ان يتصدى لعمل من الانصاف القول انه بسيط جدا ومثالي بشكل طفولي وكان دور النبوي فيه هو تسويق الامام شعبيا ، في بيئة جاهزة بشكل ساذج الامام نفسه ضحية له كما هو المشاهد.

     يحق لنا ان نكون فخورين بالامام الشافعي ودفاعه عن افكاره، ونحترم الدوافع التي صنعت منه المؤسس وشجعنا ايضا لمناقشة تلك الافكار بعد عرضها كما هي لنختار منها مايناسبنا اليوم، وهو ما لم ينجح المسلسل فيه، لا في العرض ولا بالتالي في حث بعض منا لاعادة التفكير في الموضوع، مسلسل اقبله راضيا من المرحوم نور الشريف، او محمود ياسين ولكن ليس من خالد النبوي، فهناك فرق في الزمن والموهبة والتأثير وحساسية التوقيت.

الدراما هي الحياة، واذا اخترعت واقعا غير الحقيقي لحياتك في الدراما فأنك تشوش على ناسك

     لا لوم على المؤلفة وان كانت تستطيع ان تتقدم قليلا لو منحها النبوي من نجوميته بعض الحماية، ولا لوم على المخرج رغم ان تتر خمسة دقائق أمر غير معقول، النقد يجب ان يوجه للنبوي لأنه النجم في الموضوع، وهو من خانه التوفيق في ادارة العمل كما يجب او تركه بدل تقديمه على هذه الحال، الدراما السائدة هي دراما النجم.

     وبينما لم يوفق نجم رسالة الامام، اصاب النجاح نجما آخر، ممثل يجمع بشكل غريب بين الموهبة والجهل، حيث قدم عملا ناجحا يملك فيه اربع زوجات ومال كثير، وتصريح مفتوح بضرب من يريد وقت مايريد في الحلقات الثلاثين. ونجم آخر ايضا توفق في غزو مناجم افريقيا للذهب وكان (فتك) جدا وشرف اولاد البلد، ونجمين او ثلاثة أخرين يتحدثون معنا صعايدي من سنوات حتى نفذ صبر الصعيد هذا العام وخرج اهله للسوشيال، يتحدثون معنا مباشرة بلكنة طبيعية تماما متبرئين من هذا البزنس المقام باسمهم، والذي يظهرهم كأنهم شعب آخر شقيق وخطر. وكان هناك ايضا نجم عائد للساحة ومعه قوات فرنسية معتبرة، لم يتوقف عن استعراضها في كل الانحاء مربعات ومثلثات ودوائر دون ان نفهم الموضوع.

    الدراما هي الحياة، واذا اخترعت واقعا غير الحقيقي لحياتك في الدراما فأنك تشوش على ناسك ، وتجذبهم نحو واقعك الفاقد للتوازن والفارغ من المعنى، رغم كل اعراض الحمل الزائف التي تظهر عليه. وعندما يفشل مسلسل الامام، فأن مسلسل العمدة هو من يتقدم لشغل الفراغ.

     وجعني الامام الشافعي، ووجعني النبوي، ووجعني الوقت اللي قضيته حلقة بعد حلقة، انتظر لعل وعسى، ولم يكن هناك لاعل ولا عسى.

   (المقال منقول من صفحة الكاتب مجاهد البوسيفي على تويتر)

صحيفة المنظار الليبية
صحيفة المنظار الليبية
تعليقات