📁 آخر الأخبار

عن الدكتور شكري غانم في ذكرى رحيله

    صادف يوم أمس ذكرى رحيل المرحوم الدكتور شكري محمد غانم ، الذي ولد يوم 9 أكتوبر 1942 م ، وانتقل لرحمة الله تعالى يوم 29 أبريل 2012م، وهو خبير اقتصادي وسياسي ليبي، عمل كرئيس للحكومة الليبية أمينًا للجنة الشعبية العامة سابقاً في الفترة من عام 2003م ، الى عام 2005م ، وتولى منصب أمين للجنة إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في الفترة من عام 2005م،الى عام 2011م.   
عن الدكتور شكري غانم في ذكرى رحيله
    صحيفة المنظار الليبية ، تنقل بتصرف بعض من صفحات تناولت بعض من أعمال الفقيد الراحل في بلاده ليبيا كما وردت في كتاب أشخاص حول القذافي لمؤلفه الدكتور عبد الرحمن شلقم.

شكري غانم رجل الإدارة والإقتصاد الحر

    الدكتور شكري غانم رجل يؤمن من رأسه إلى أخمص قدمه بالإدارة التقليدية المنظمة، والإقتصاد الحر، ويكفر بسياسة الدعم، هو من مواليد طرابلس،ممتلىء بثقافة المجتمع المدني، عايش الإيطاليين واليهود الذين كانوا جزءاً فاعلا من المجتمع الليبي وخاصة بمدينة طرابلس، درس في الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل بعد ذلك بوزارة البترول، لكنه إصطدم برئيس الوزراء السابق عبد السلام جلود، فغادر البلاد وعمل بمنظمة الأوبك، إلى أن تولى أمينها مؤقتاً،
     عاد في سنة 2001 وزيراً للاقتصاد في حكومة المهندس مبارك الشامخ بدفع من سيف الإسلام معمر القذافي الذي كان يتحدث عن نقل ليبيا إلى دولة عصرية، ومع إرتفاع درجة الأحلام العصرية لدى سيف الإسلام دفع بصديقه شكري إلى قمة الهرم التنفيذي لإنجاز الأحلام العصرية. ولكي يكون مجلس الوزراء برئاسة شكري غير منقطع الصلة عن الأعصاب الشعبية الجماهيرية، جيء بالبغدادي المحمودي ليكون نائباً له، وليكون الحلقة مع القيادة أيضا.
    من إنجازات شكري غانم الأولى، نقله مقر مجلس الوزراء، وبشكل دائم من سرت إلى طرابلس، وبمساعدة سيف الإسلام، تمكن من إقناع معمر القذافي بذلك، بل يمكن القول بأنه فرض ذلك عليه فرضاً وبطريقته الحادة اللبقة.

شكري غانم وسيف الاسلام القذافي

   في سنة 2001م، رشح سيف الإسلام الدكتور شكري غانم، وزيراً للاقتصاد، وهو من أوائل خريجي الجامعة الليبية، تولى منصب نائب مدير وكالة الأنباء الليبية، ثم درس في أمريكا وحصل على الدكتوراه في الإقتصاد، وعمل بوزارة البترول، وشغل أمين عام الأوبك بالوكالة، ثم أقام بالنمسا، وهناك إلتقى به سيف الإسلام، وجرت بين الإثنين أحاديث وحوارات طويلة وصريحة، شكري غانم، رجل يمتاز بثقافة موسوعية، يجيد الحديث في مواضيع شتى، له إلمام واسع بالثقافة العربية والتراث الإسلامي، إضافة إلى ثقافته الغربية واجادته للغة الإنجليزية، حاضر البديهة، لا تنقصه الجرأة، لم يجامل شكري سيف، ولكنه صدمه بالحقيقة، وشرح أمامه الواقع الليبي ودق نواقيس الخطر الذي يحدق بليبيا، وقدم رؤية عملية لما يجب ان يصار ويسار إليه.
    تم تعيين شكري في منصب وزير الإقتصاد الذي رشحه له سيف الإسلام. بدأ شكري خطواته الأولى بخطة لنقل البلاد مما أطلق عليه تفاؤلاً بالاقتصاد الاشتراكي إلى الإقتصاد الرأسمالي، ولكن الرياح كانت تعصف في الإتجاه الآخر، وكان معمر القذافي من بين الأنفاس القوية التي نفخت تلك الرياح. ولكن رغم المقاومة . المتوقعة . التي واجهت شكري غانم في وزارة الإقتصاد، كان يصر على
الخروج مما أسماه ، إقتصاد الاستجداء .حيث يعتمد الناس على الدولة في كل شيء، ويريدونه بلا مقابل، وذلك من أعراض الإقتصاد الريعي، الذي لا يقوم على الإنتاج، ولكن مما يعتبروه نعمة الله عليه التي تتدفق من بطن أرضهم، أي البترول. كما الح غانم على توحيد سعر صرف الدينار ومراجعة سياسة دعم المواد الاستهلاكية. كان ذلك في حكومة المهندس مبارك الشامخ، الذي بذل جهداً مذكوراً
في مراجعة الأداء الإقتصادي.
    ارتبط شكري غانم بسيف الإسلام القذافي بعلاقة صداقة وطيدة، وكان جليسه الأثير، يقضيان وقتاً طويلاً معاً كل ليلة، وبحضور طيف من المسؤولين، وكعادته يتحدث شكري في كل القضايا الوطنية بعلمية، وبصراحة إستفزازية.

شكري غانم والبغدادي المحمودي

    في سنة 2003 عين الدكتور شكري غانم رئيسا للوزراء، وعين الدكتورالبغدادي مساعداً له، يقول شكري مازحاً: "عندما أصل إلى مقر اللجنة الشعبية العامة . مجلس الوزراء . أقود  سيارتي بنفسي وبدون مرافق، أجد أمام باب المجلس عدداً من الشباب، وأخرين أمام  المصعد، ولما استفسرت عن سر وجودهم كل يوم، قيل لي انهم ينتظرون د.البغدادي. في الواقع كان هو رئيس الوزراء الموازي، ويتصرف في كثير من الأمور  دون إن رئيس الوزراء، بل بدون علمه. اصطدم شكري غانم وهو في موقعه مع  أبناء القذافي، وخاصة الساعدي، الذي إستولى بالقوة على أراض ومباني يملكها  مواطنون، وكان يصر على المساهمة في بعض النوادي الرياضية الإيطالية، دون  دراسة جدوى حقيقية، وفي كثير من الأحيان يمنى بخسائر مؤكدة لا تحتاج إلى  تفسير.
    كان مكتب شكري في الدور الثاني من المبنى الذي كان مخصصاً . لأمانة الوحدة الأفريقية . وبعد إعادة دمجها مع الخارجية، إستولى شكري على المبنى، الذي كان في الثمانينات مقراً للأمن الخارجي وتعرض للقصف الجوي الأمريكي سنة6م. 198 كان مكتب شكري في الدور الثاني، ومكتب البغدادي المحمودي في الدور الرابع، تولى البغدادي إعادة تأهيل المبنى، وأصبح بالإمكان أن يطلق عليه، مجلس الوزراء، جلس شكري في الدور الأول يستقبل الوزراء والسفراء وبعض الضيوف، ومن مكتبه في الدور الرابع، مارس البغدادي دور رئيس الوزراء الفعلي، أو لنقل الموازي، تحول مكتبه إلى خلية نحل، يجتمع مع مدراء المؤسسات، وأمناء المؤتمرات الشعبية،
 والضباط من كافة الرتب، ولا ينقطع إتصاله اليوم بقلم القيادة ويوجه التعليمات  للوزراء، خاصة وزير المالية. كان شكري غانم بحكم دراسته وتجربته، وتربيته الطرابلسية الحذرة، يحسب إلى العشرة قبل أن يأمر بصرف أي مبلغ مالي، يتابع تقارير الشفافية في بلدان العالم، ويكثر من الشكوى حول ترتيب ليبيا المتدني في  ذلك.
     حاول الدكتور شكري غانم جاهداً أن يواجه الهدر في المال العام، وأن يضع ضوابط للصرف والمخالفات المالية، لكنه إصطدم بعقبات لا تعد، وعلى رأسها أبناء القذافي الذي  يرون أنفسهم فوق القانون، وأن مال ليبيا هو مالهم أولاً وأخيراً. إقتنع في نهاية الأمر أنه لا يستطيع إدارة البلاد، ورأى أن يترك الأمر للدكتور البغدادي المحمودي، الذي خبر أهل البلاد، وقائدها، وعرف إشارات المرور التي تحكم حركة الجميع، وفك كل الشفرات. إستمراً الإثنان هذا الترتيب وتعايشا معه، وقال شكري غانم: "إن البغدادي، نصفه الأعلى إنسان، والأسفل ثعلب، والعكس صحيح، ولكنه الثعلب الذي أحبه.

شكري غانم وأحمد إبراهيم

    إستقبل معمر القذافي، رئيس وزرائه الدكتور شكري غانم، وكان أحمد إبراهيم القذافي، الذي يعتبر نفسه فيلسوفاً ومنظرا، ويتخذ موقفاً معاديا علنيا من شكري غانم، فهو رجعي، موال للغرب، مضاد للثورة، كان أحمد يجلس إلى جانب إبن عمه معمر القذافي، وكان الحديث حول الإقتصاد "الجماهيري"، تحدث معمر منظرا ومسهبا، شارحاً أفكاره الإقتصادية، وتدخل الفيلسوف أحمد إبراهيم، وقدم الحل المختصر جداً  وهو المقايضة، طلب منه شكري أن يفصل ويفسر هذه . المقايضة .
     حاول الفيلسوف بجهد وبكلمات مترادفة أو متناقضة أن يجيب. إستمع د. شكري بهدوء، ثم إبتسم  وقال له يا أستاذ أحمد: "إن ما قلته له علاقة بكل شيء، إلا بالإقتصاد!! لا بذ أن نكون عمليين، لنفرض أنك تمتلك جملا، وليس لديك أي شيء أخر سواه، وتريد أن تشتري قلم رصاص، دعنا نتصور هذه العملية الكبيرة والبسيطة في نفس الوقت،  الخطوة الأولى أن تستأجر سيارة شحن، تذهب بها إلى خارج المدينة حيث مريط  الجمل، تؤجر عقالا ليضعوا الجمل في سيارة الشحن، ثم تعود بها إلى المدينة حيث المتجر الذي ستشتري منه قلم الرصاص، وتؤجر عمالاً لإنزال الجمل من السيارة  الشاحنة، تدخل إلى المتجر وتقول لصاحبه أنني أريد أن أشتري قلم رصاص، فيقول ذلك أن ثمنه قرشان، فتقول له أن لي جملاً أمام المتجر أريد أن أقايضه بالقلم، وترد الي الفارق في السعر، سيجري جدلا طويلا حول ثمن الجمل، سيكون ثمنه دون شك  أكثر من ألف دينار، لكن وعلى قاعدة المقايضة، سيكون الفرق عينياً، ويتم الإنفاق على أن يقدم لك عشرين خروفاً، أين سيضع التاجر الجمل، وأين ستضع أنت العشرين خروفاً؟!
     كان القذافي يتخيل هذا السيناريو الساخر، ويتابعه ضاحكاً، واكتفى، بتعليق بسيط، قائلا" يا أحمد، ما الذي جعلك تدخل في هذا الجدل مع شخص من  كبار علماء الإقتصاد مثل شكري؟!". هكذا كان الفكر الإقتصادي السياسي في  الجماهيرية العظمى.
     ومن أسباب الخلاف العلني بين أحمد إبراهيم وشكري، ليس فقط تلك الصفات التي كان يطلقها أحمد عليه، ولكن العلاقة الحميمة التي تربط شكري غانم بسيف الإسلام كان الدافع الأكبر لذلك الخلاف.

شكري غانم وعبدالله السنوسي

     وكان للدكتور شكري غانم نصيبه من الخلاف مع عبدلله السنوسي. فقط إرتبط عبدالله بعلاقة قوية مع أمير قطر حمد بن خليفة، ورئيس وزرائه حمد بن جاسم. وعندما كان شكري يتراس مؤسسة النفط الليبية، قدم الجانب القطري مشروعاً للتعاون مع ليبيا في مجال النفط والغاز، رأى شكري أن العرض في صالح الجانب القطري، ورفض الموافقة عليه. عمل عبدالله المستحيل من أجل تمرير الاتفاق، وأدخل سيف الإسلام من إجل إقناع شكري بقبول العرض، لم تنجح كل المحاولات والتدخلات. 
    هدد عبدالله السنوسي الدكتور شكري غانم بالتصفية الجسدية إذا لم ينفذ الإتفاق وأعتقد بأن البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الذي لم يكن على وفاق مع شكري قد ساهم في تأليب عبدالله عليه، قال شكري لعبدالله السنوسي: هل أنا أتدخل في عملك في الاستخبارات العسكرية؟ بالطبع أنا لا أفعل ذلك، وعليك أن لا تتدخل في عملي بمؤسسة النفط. رد عليه عبدالله بالقول: لدينا برنامج شامل للعلاقة مع قطر، لنا مصالح إستراتيجية، وقريباً ستقوم علاقة مصاهرة عالية المستوى مع قطر.

منقول بتصرف من كتاب أشخاص حول القذافي لمؤلفه الدكتورعبد الرحمن شلقم.

.
صحيفة المنظار الليبية
صحيفة المنظار الليبية
تعليقات