أخر الاخبار

سِيدي رُمضان.. لسعاد سالم

 سِيدي رُمضان.. لسعاد سالم 

       سِيدي رُمضان

    ستبدو مفردة سيدي التي سبقت رمضان غريبة لدى الكثير منكم، وهو تعبير سمعته كثيرا في طفولتي في السوالم، حيث في أعلى الطريق الترابي لحوش حنّاي أتسلق الطريق المرتفعة لأجلس في منطقتي المفضلة مع صغيرات من سني ،منطقة تبدو في ذاكرتي الآن كما الأثار ،حيث نجلس على حاشية الجابية في مقابل بئر هرمة وكلاهما خاليين من الماء ، أحيانا وفي الشتاء نستمتع بلقاء الجرانة (الضفدع)، وفي البرك الراكدة نرى الزغلان وهي صغار الضفادع.

سِيدي رُمضان.. لسعاد سالم
سِيدي رُمضان.. لسعاد سالم  

    هناك بين النخلات المتفرقة نجلس أيضا على جذوع النخل التي أسقطته عاصفة عابرة، ونغني للخطيفات في آخر لعشية : ياخطيفة خطفي وين تمشي ووين اتجي ،سلميلي عالنبّي) ، كما نراقب الخطيفة البشرية من رجال ونساء وهم يسلكون الطريق غاديين أو قادمين حيث تتوزع البيوت وتتنوع موشية بالوضع المادي لساكنيها، لكن في كل المناسبات تكون النسوة القادمات من تلك البيوت المتنوعة يتكلمن بلغوة واحدة دقيقة مهذبة ومشبعة بالاحترام، حتى يصير الشهر التاسع في السنة الهجرية سيد مبجل حين يأتين على ذكره وحين يفوح في شعبان.

   الرسالة

  كنت اقلّب غوغل بحثا عن معلومة ما، حينما تعثرت في موضوع بدا صاحبه وهو يسرده متشبعا ومنتشيا بعثوره على جواب لسؤال سيدة مسيحية عن ما هو جوهر الإسلام! قالت له :جوهر المسيحية المحبة، ما هو جوهر الإسلام، أو ملخص الرسالة؟ فقال أنه فاجأه السؤال، وأنه طلب منها بعض الوقت ليبحث ويفكر قبل أن يجيبها بما لا يعرف. وهذا دليل بالنسبة لي على مستوى الوعي لصاحب التدوينة، وأن السؤال الذي استوقفني بدوري، بدا كما لو أنه لم يطرح قط على مستوى العامة، أعني لا أحد وجهه لنا أو وجهناه لبعضنا، ثم عاد السيد بجوابه ليلخص لها الرسالة حسبما توصل إليه وبدا له مقنعا كما وضحته مفرداته، وقال لها أن جوهر الإسلام التوحيد.

لم يفصح المدون عما إذا كانت السيدة التقطت فحوى رسالة الإسلام أم لا، فالجواب كان مرضيا ومقنعا له، لأنه ختم به التدوينة.

ترى هل هذا جواب لخص فعلا جوهر الدين الإسلامي، لمن يريد من ديانة مختلفة أن يعرف جوهره؟     

 سِيدي والسي وسي في اللغوة الليبية

 تحمل مفردة سيدي في اللغة العربية الفصحى أو حمّلت ثقلا ثقافيا يختلف تماما عن مفردة سِيدي الليبية بكسر السين، سَيدي بالفصحى أي بالفتحة على حرف السين تعطي انطباعا بالخضوع والطاعة لمن هو أقوى، فيما سيدي بكسر السين تنحو لعلاقة مبجلة لزيادة في العلم أو في العمر، أو في دلالتها الأبوية وأيضا في تبيان المحبة، كما تدل على نوع من أنواع القرب من المنادى بسيدي الليبية، لماذا أقول ذلك؟ أقوله لأن سيدي رمضان هي مفردة تبجيل لشهر الصيام الذي يعامل معاملة الضيف والملخص في المثل الذي قالته حنّاي آلاف المرات وتعرفونه أيضا بذات الطريقة: ضيف ليلة ماتوريه فقرك. 

انظروا إرث سيدي الليبية ومدى علاقتها بالتهذيب والقدر بين الناس ، كنّا في الكتّاب (جامع سيدي عبدالغني) نشير للشيخ مجاهد، اللي يقري فينا،بالسي مجاهد.

هو اسم يطلق على والد الزوج (سيدي)

في مناطق مختلفة في ليبيا هي بديل لمفردة بوي 

سي فلان تسبق اسم الأصدقاء اللي بينهم نوع من الحدود والقدر لمكانة يتمتعان بها علمية أو فقهية.وهى ندية بقدر ماهي شديدة التبجيل.

أما سيدي بفتح السين هي دلالة على سيادة المخاطب بها لرفعة في مكانة أو مال أو رتبة وإلزامية العمل عنده أو طاعته ملزمة. 

لذا عندما تُجّرف الثقافة المحلية يحدث السعار المنتشر مع كل مفردة سيدي الليبية بما فيها من علاقة ندية ولكن في ذات الوقت تبجيلية لما يمثله السيدي هذا ، سيدي الشعاب ، سيدي عبد السلام لسمر ، سيدي الوحشي، سيدي مولاي محمد، سيدي عبد لغني، ووصل الأمر كما رأينا لوصم هذه المفردة المحلية التبجيلية دون مساس بكرامة من يلفظها إلى أن تصبح شك في العقيدة ، والتي كما لخص المدون سالف الذكر أنها جوهر الدين، التوحيد.

 قصتي مع العزم 

كنّا أنا وإبن خالتي جلال من عمر الستة نقلد الكبار في الصيام، تنافسنا في سن صغيرة على من يصوم أيام أكثر، أذكر أنه كان صيفا حارا نهاره طويل، ونخرج ألسنتنا لأقراننا إن شكوا في روايتنا، اللسان الأبيض والشفاه الجافة هي الأدلة لدى المحققين الصغار والكبار على السواء، ولكن كانت حنّاي عيشة، وجدات أولاد الجيران يهتمون دائما بخياطة الأيام، حين يجبرننا على شرب الماء أو الصيام إلى الساعة اطناش الظهر، وهكذا حين نلتقي في العيد نلضم الأيام ونتفاخر على بعضنا كلما زاد عدد أيام الصيام حتى بنص يوم.

كان الصيام في وعينا تلك الفترة مرتبط بمفردة واحدة ترددها أمهاتنا وجداتنا في تعريف الصيام : العزم

لم أسمع وأنا في ذاك العمر المبكر شيئا عن تفسيرات الصيام المنتشرة الآن ، عن الفقراء وعن الصحة وأشياء أخرى سطّحت مفهومه العميق عند إمّالينا من إنه تدريب على جهاد النفس والتحكم في غرائزها، وهذا ماوطن مفهوم جوهري للدين، وهو تربية النفس وتهذيبها لأنه كما ألهمها تقواها ألهمها فجورها الذي ساد حينما فُرّغَ سيدي رمضان المعلم والمهذب للنفوس من معناه بسرقته من محليته التي مكنته كسيد.

 جوهر الدين الإسلامي ؟

 جوابي لك أن جوهره المعاملة ، إي نعم الدين المعاملة ، وهي تأكيد على روح سيدي رمضان ، في تجلي الفضائل، وتوطينها في النفوس بأن يهتم كل مسلم بتأديب نفسه، فالعزم الذي يلخص رمضان، في اللغة المحلية، هو من جوهر الدين ، لأن مايهمني بأي أخلاق تعاملني، وإن العزم والذي هو: الحِلم،كظم الغيظ،الصدق،اتقان العمل،السلام كسلوك يبدأ به المسلم  العلاقة مع الناس وليس كدلالة على الهوية الدينية.

الليبيات العظيمات

 حمّى الشراء التي تسبق رمضان، ليست شيئا تخجلين منه، إنه تراث الأسلاف في تبجيل الضيوف، فالضيف المعلّم الذي مازلتوا تشرو على شرفه الأواني الجديدة وتغيرن له الستائر وتغسلن قبل حلوله لبساطات، وتجهزوله ألذ المأكولات ، إنما تعطونه ماتبقى في دواخلكن من حكمة جداتنا وأمهاتنا بربطنا بالهوية التي بقصد أو بدونه تتحلل ، والتي لولاهن لتحولت إلى آثار مثل الجابية والبئر المهدمة في السوالم البعيدة، حين كنت أجلس والرفيقات ننظر إلى السماء ونغني لطيور نهاية المساء: يا خطيفة خطفي وين تمشي ووين اتجي ، سلميلي عالنبّي.

(المقال سبق نشره في صحيفة فسانيا يوم 3-ابريل 2023م ,العدد 431)


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -