📁 آخر الأخبار

الهبوط الودود في مطار معيتيقة

 ويسألونني كيف أجد ليبيا؟

   مهلهلة مازالت ،لكن انسانها يتعافى، وهل تبنى الحياة إلا بالإنسان المعافى؟ فبرغم كل ما يظهر على فيس بوك الليبي من بذاءات وأخبار وتقارير وقرارات وتعليقات تبعث على الحزن وحتى على اليأس، غير أن الواقع أكثر سلاما وأقل عدوانية وغبارا،بل وأكثر جمالا من صور بشار شقليلة، وسند لحلافي، ربما لأن الكاميرات لا تلتقط الكلمات اللطيفة ولا مشاعر الاحترام أو وسعة البال؟ ربما.

الهبوط الودود في مطار معيتيقة

 الهبوط الودود 

   مطار معيتيقة أبريل 2023 ، وكنت حتى تلك اللحظة لا أعرف كيف ستسير الأمور، و عند شباك ختم الدخول حولني الضابط إلى شخص أعلى منه ، في مشهد يشابه ما حدث معي في مطار سخيبول بأمستردام يوليو 2014 غير أنني هذه المرة أعرف السبب وإن لم أتوقع التفاصيل، فعلى الجوازات الصادرة في الخارج أن تفعل بوزارة الخارجية وهذا بالضبط ماكان مكتوبا على الواصل الذي سلمه لي ضابط شاب كان طالبني بجوازي القديم ولم يكن بحوزتي لأن الموظف اللطيف في السفارة الليبية بلاهاي أخبرني أن احتفظ به للذكرى ،ثم أضاف ممازحا في حال صار ماصار قوليلهم اهو جوازي أخضر.

    اقترحت على الأفندي الذي سألني عنه، أن أفتح له نسخة موجودة على هاتفي، لكنه قرر أنه ليس مهما وسألني ان لم أمانع بأن يتكفّلوا هم (مكتب الجوازات) بارسال جوازي الجديد إلى الخارجية وما علي سوى حمل بعض المستندات معي ومن ضمنها صورة من جوازي القديم مع الواصل لاستلامه، لذا كنت في منتهى الاسترخاء حينما ولجت للقاعة الخاصة باستلام الأمتعة من ممر ضيق قصير فيما يفصل موظفي الجمارك والقاعة حاجز زجاجي ،وهكذا وجدت نفسي وسط تلك المساحة الضيقة من مطار لايبدو أكثر من مستودعات مهملة في مكان نائٍ من العالم، وقفت وسط المعتمرات والمعتمرين العائدين، ينادون بعضهم ويودعون بعضهم مكدسين الحقائب والكثير من الأمتعة هذا يدفنّي من هني وهاذي تنوشني من غادي، لكنني كنت في لباسي العادي بنطلون جينز وكبوط وبشعري الأشيب العاري كما دائما ،لا ألفت نظر أحد ولا أتعرض إلى نظرات بائسة كما كان يحدث ،فبدا بالنسبة لي هبوط ودود هو كل ما أريده من هذه البلاد ، دخول باحترام وإجراءات سلسة .

في2014 كانت هذه البراكة منطقة قررت ألا اضطر للسفر منها حينما اقتربت أصوات النيران في السعي وقتها لاحتلال منفذ الثروات والسلطة أو حرقه لتحويل وجهة النفوذ صوب معيتيقة، وهذا مااشتعلت به الأخبار والصور بعد أيام قليلة على مغادرتي من مطار طرابلس الدولي والذي كان تخلص بالكاد من الجمهرة.

 جزء من قصتي

   ديسمبر 2022 ومن دون موعد مسبق كنت في الساعة العاشرة والنصف صباحا أضرب الجرس وأنتظر أن يفتح لي الموظف باب القنصلية الليبية في لاهاي (دنهاخ)،

 قبل عامين لم أكن أتخيل أن هذا يمكن أن يحدث، فلا علاقة لي ولا بأي شكل مع الهياكل السياسية بما فيها السفارات لا قبل 2011 ولا بعدها، كما وأن سمعتها في خدمة مواطنيها في أحط صورة لها، لكنني في ذاك الصباح المنعش وبعد رحلة بالقطار من روتردام وحتى دنهاخ، ثم الترام الذي يمرق عبر شوارع المدينة البديعة، تسلقت الطريق بين شجر الحديقة العامة صوب حي يحتشد بالبنايات الجميلة حتى وصلت أمام كنشيلو غير مصفح و الذي فُتح بعد تحيات الصباح،لأجد نفسي في مكتب صغير اخترت فيه كرسيا وجلست في انتظار الموظف الذي سيلتقط لي صورة الباسبور و أسلّمه الأوراق المطلوبة وجواز سفري القديم، وهكذا كان، تفحصت النموذج الذي سأملأه بالمعلومات المطلوبة، انها وفعليا أقل فضولا من نموذج الأمن الداخلي في مطار معيتيقة الذي ملأته قبل الذهاب إلى كرسي في صالة المغادرة.

المعلومات المطلوب تركها لجواز السفر لا تهتم لا من قريب ولا من بعيد بحياتي في هولندا، قد ترين وترى أنه أمر ليس ذو شأن، لكن بالنسبة لأشخاص استهدفوا أو استهدف أحدا من عائلتهم سيعرفون أن تغيرا هاما و جوهريا قد حدث في السفارات التي كانت أوكارا مريبة يخشاها البعض منّا و تواجدا بلا أي صلة ولا في أي صيغة بنا الليبيين الذين صادف أن احتاجوا سفاراتهم إلا فيما ندر ، أو بالواسطة.

جزء من مقال للكاتبة سبق نشره في العدد (438) من صحيفة فسانيا

صحيفة المنظار الليبية
صحيفة المنظار الليبية
تعليقات