أخر الاخبار

تَّجْرِيدَةْ حَبِيِّبْ بَيْنَ الْوَاقَع والْخَيَال

  تَّجْرِيدَةْ حَبِيِّبْ بَيْنَ الْوَاقَع والْخَيَال 

إعداد: سالم أبوظهير

     كثيرمن المهتمين بالتاريخ الليبي ، أتفقوا على أن تجريدة حبيب، تعتبرحدثاً تاريخياً مهماً في ليبياً ، وأن أختلفوا في تحديد وقت حدوتها بدقة ، حيت رجح بعض منهم على أن التجريدة وقعت أواخر العهد العتماني الأول في عام 1670م تقريبا.
 تَّجْرِيدَةْ حَبِيِّبْ بَيْنَ الْوَاقَع والْخَيَال
    وتجريدة حبيب حدث تاريخي مهم، كان له تأثيراً مباشراً وكبيراً،على التوزيع الديموغرافي للسكان في ليبيا والمناطق المحيطة بها، بداية بعموم الشرق الليبي في منطقة الجبل الأخضر، ونهاية  بمنطقة شمال وشرق مصر.
والتجريدة  بحسب لهجة سكان برقة والشرق الليبي في العموم ، معناها الغزوة أو الحملة العسكرية أو المدد، أما حبيب صاحب التجريدة فهو أبن شيخ قبيلة العبيدات ، الذي قتلته الحكومة القرمانلية ، بعد أن وشى به رجل يقال له النعاس ويلقبونه بالنعينيس وهو أحد أبناء عمومة حبيب من أولاد علي.

    تقول الأحداث التاريخية في الموروث الليبي: ، أن شيخ العبيدات عبد المولى الأبح ، كان يعتبر النعنيس بمثابة أحد أولاده، لكن النعنيس غدر بشيخه الأبح، ووشي بمكان اختبائه للقرمانليين،  الذين سارعوا بالقبض عليه وحبسه، وهذا مادفع أهالي العبيدات للهجوم على السجن، لتحرير شيخ قبيلتهم الابح ، وتمكنوا فعليا من تهريبه من السجن،وأخفوه في غابة صغيرة قريبة من المدينة.

    النعاس بحسب التاريخ المدون  والملقب بالنعنيس وهو أحد أبناء عمومة الشيخ الأبح من أولاد علي ، علم بمكان أختفاء الأبح فوشى به للقرمانليين رغم أن الأبح كان يعتبر النعاس واحداً من أبنائه كما ذكرنا، فسارع القرمانليون بالقبض على الشيخ  الأبح مرة أخرى وقطعوا رأسه وعلقوه على شجرة صفصاف بحصن المدينة.

    هذا الحدث المؤلم القاسي، أثر في الشاعر عتمان القري ، عندما مر من تحت الشجرة المعلق في أعلاها، رأس صديقه عبد المولى الابح شيخ العبيدات، فنظم قصيدة طويلة مؤثرة ،توارتثها الذاكرة الشعبية الليبية ، ختمها بقوله :
ياراس يانك اليوم
منشور للريح يابس
ماعاد تردي غديرا
عليه حرة المال حايس

    وتقول الأحداث التاريخية: أن قبائل العبيدات، بعد هذه الحادثة، استضافوا مهاجرين اندلسيين، كانوا في طريقهم للاندلس، راجعين من الحجاز بعد أدائهم لفريضة الحج ، فأعجبتهم البلاد  وأهلها وطابت لهم ، فأستقر بهم المقام في درنة ،وأصبحوا من سكانها، وساهموا بشكل كبيرجداً في أزدهارها ، وساهموا في تحويلها إلى مدينة رائعة تشبه مدن الاندلس .
أنشى الأندلسيون المزارع ،وشقوا قنوات المياه ، وطوروا الغرس ، والبستنة ،ونقلوا تجربتهم في البناء الاندلسي الحديث الذي يعتمد على الطوب والأج،ونقلوا كل ما من شانه أن يحول درنة الليبية ألى مدينة تشبه كثيراً مدن الأندلس الجميلة.
أهل درنة بشكل عام ، وأهالي قبيلة العبيدات بشكل خاص ، تقبلوا هذا التغيير ورحبوا به ،وساعدوا الأندلسيون في تطوير مدينتهم ، واندمجوا مع هذه التجربة الفريدة، وطوروا من أنفسهم ، وساهموا في غضون سنوات قليلة لتقبل جميع مطاهر المدنية العصرية الحديثة ، فتم استصلاح كثير من الأراضي الخصبة ،وأقتسموها بالعدل والتساوي فيما بينهم .

    هذا التطورالإيجابي السريع، أثار ضغينة أبناء عمومة قبيلة العبيدات المعروفون بأسم قبائل أولاد على ،الذين لم يتوقفوا عن مهاجمة أبناء العمومة العبيدات، من أجل السيطرة على أراضيهم الخصبة ومافيها من بساتين غنية ومياه عذبة .لذلك وعلى مدى سنوات ، حدتث معارك متكررة بين قبائل أولاد علي وبين قبائل العبيدات، وبحسب التاريخ فأن الغلبة كانت فيي الغالب حليفاً للطرف المدافع عن مزارعه وبساتينه قبائل العبيدات ، لكن الأمور تغيرت بعد قطع القرمانليين لراس شيخهم الأبح فسيطرت قبائل أولاد على على أراضي العبيدات بشكل كامل.

    حبيب ابن الأبح شيخ العبيدات ، صمم على أن يأخد بثار والده ، الذ قتله القرمانليين ومثلوا بجتته ،  لكن كان ينقصه الرجال. فلجا إلى خطة محكمة أدت نتائجها بشكل كامل وذلك بأن قرر أدعائه الهبل والخرف والجنون حتى تتاح له الفرصة للأخد بثار والده ، وأستعادة أرض قبيلته المغتصبة من أولاد علي.

     وبحسب الروايات فأن جبيب الأبح ذهب لعزوز الأندلسي، المقيم بدرنة ، طالباً منه المشورة والرأي ،فنصحه عزوز بالذهاب لطرابلس ،والطلب من حاكمها النجدة والعون والمساعدة على أسترداد ماضاع منه . فغادر حبيب الأبح درنة ،ووصل لطرابلس ،وأقام بها وتحلى بالذكاء والصبر حتى نجح بعد أنتظار ثلاثة أشهر من مقابلة حاكم طرابلس القرمانلي الذي سأله عن حاجته فقال حبيب لحاكم طرابلس : 
نا بوي يا بي محمود
 مقتول ظلم ما له جناية
إلا أمير في الوطن محسود
دلوه ناساً رعايا

    أعجب حاكم طرابلس بحسن حديت حبيب الأأبح ، وسأله عن طلبه ،فطلب حبيب من حاكم طرابلس تجريدة أي حملة من الرجال ليأخد بثأر والده، وافق الحاكم وجهزه بعدد ستة ألاف مقاتل ، ثم أنضم للمقاتلين عدد من المتطوعين من تاجوراْ وزليتن ومصراتة وورفلة ، ويقال أن حبيب امتن لتطوعهم وخاطبهم شهراً فقال :
اللي يعيش يقعد نهنوه
ويعيش في حدود الغوايا
واللي يموت مانفادوه
والله غفور السوايا

    ومعنى كلام حبيب ،أنه غير ملوم بدفع فدية من يموت في هذه الحرب،لكن من يعش ويخرج من الحرب حي يرزق ، فأن له نصيبه في ارض الدراونة والعبيدات.

    وصلت تجريدة حبيب لمشارف الشرق ،وهجمت بشكل مفاجي على أولاد على ، وهزمتهم ونجحت في طردهم بشكل كامل من عموم الجبل الأخضر والشرق الليبي. وبعد أنتصارحبيب أعلن للجميع ،أن من يأتي له براس النعينيس الذي وشى بوالده، فسيعطيه خاتم الشيخ الأبح، ونجح غيت في القبض على الواشي وسلمه لحبيب،الذي بدوره سلم لغيت خاتم والده والمشيخة التي يتمتعون بها في درنة إلى حد الان.
    بعد طرد اولاد علي ، الشيخ عزوز الأندلسي ،الذي دعم  حبيب ونصحه باللجوء لحاكم طرابلس، طلب منه حبيب أن يقسم أراضي درنة تقسيماً جديداً حسب وعده للمقاتلين الذين هبوا لنجدته من الغرب، وفضلوا البقاء والإستقرار في درنة، وهذا مايفسر أن مدينة درنة من المدن العصرية التي تتمتع وتزخر بتنوع ثقافي كبير.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -