📁 آخر الأخبار

ليبيا: صراع الموارد وسباق الحلول




ليبيا:صراع الموارد وسباق الحلول

كتب : سالم أبوظهير

البلاد  في قلب العاصفة

    تعيش ليبيا منذ أكثر من عقد حالة مزعجة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، حيث تتصارع الأطراف المختلفة على النفوذ والموارد. ويتجلى هذا الصراع بشكل واضح بين الحكومة الوطنية في طرابلس والسلطات الموازية لها في الشرق بقيادة النواب وحفتر. ومع استمرار هذا الانقسام الحاد، تحولت البلاد إلى ساحة للصراع على الثروة الوطنية، خاصة مع الدور المحوري الذي يلعبه مصرف ليبيا المركزي في إدارة الاقتصاد الليبي.، بإعتباره أحد أهم أسباب ومحاور الصراع (في أن واحد) ، لإنه يتحكم في تدفق الأموال والاحتياطيات النقدية، مما يجعله هدفًا رئيسيًا للأطراف المتناحرة.

التهريب : نزيف يدمي الإقتصاد الليبي  

    أحد أخطر التحديات التي تواجه ليبيا اليوم هو تهريب النفط، وهي ظاهرة تتفاقم بسبب سيطرة المليشيات المسلحة على المناطق الغنية بالموارد الطبيعية. وتستغل هذه الجماعات المليشياوية (إن صح التعبير) حالة الفوضى لتحقيق مكاسب مالية ضخمة عبر شبكات محلية وإقليمية، نفط ليبي خام أو مكرر يتم تهريبه بشكل يومي تقريباً، براً وبجراً الى دول مجاورة ، وحتى للأسواق العالمية دون أن تعود أي إيرادات إلى خزينة الدولة العامة ، مما يحرم أهل البلاد من مليارات الدولارات سنويًا كانت ستستخدم لإعادة الإعمار وتحسين الوضع المعيشي في ليبيا.
ولا يقتصر الأمر على الأطراف المحلية فقط، بل تتورط أيضًا دول إقليمية وقوى عالمية في هذه العمليات لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية. هذا النزيف المستمر للثروات الوطنية يعمق أزمة الثقة بين الليبيين، حيث يشعر المواطنون بأن ثرواتهم تُسرق أمام أعينهم دون أي حلول تلوح في الأفق.

الإنقسام السياسي جرح غائر في الجسد الليبي 

   الانقسام السياسي بين شرق البلاد وغربها أحد أكبر وأخطر وأهم العوائق أمام تحقيق الاستقرار الاقتصادي في ليبيا. فمن جهة، تسعى الحكومة الوطنية في طرابلس إلى تعزيز سيطرتها على مؤسسات الدولة، بما في ذلك مصرف ليبيا المركزي. يجتهد خليفة حفتر مدعوما بالقوات الموالية له ، وبمجلس النواب على السيطرة على الموارد المالية والنفطية، التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد الليبي..هذا الانقسام أدى إلى أزمات متكررة، مثل إيقاف تصدير النفط وإغلاق الموانئ، مما أثر سلبًا على قيمة الدينار الليبي ورفع معدلات التضخم. كما تفاقمت الأزمة الإنسانية، حيث يعاني الليبون في بلادهم الغنية من فقريهددهم تمثل في تكرارنقص الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية. ومع استمرار هذا الوضع ستبقى ليبيا في عيون الاخرين دولة فاشلة اقتصاديًا وسياسيًا بإمتياز.

الفساد سبب بلاء البلاد والعباد  

  وأعني هنا فساد المسؤولين في الإدارات العليا والمتوسطة ، في الشرق الليبي وغربه وجنوبه فساد (أكرمكم الله) يبدأ بأبرز مظاهره متمثلاً بقبول الرشاوى. فقبل سقوط النظام السابق، واستفحل بعده أصبحت الرشوة وسيلة للحصول على الخدمات العامة، بل وحتى للحصول على الوظائف الحكومية. المواطن العادي الذي يريد إنهاء معاملة بسيطة في دائرة حكومية يجد نفسه مضطرًا لدفع مبالغ طائلة لتسريع الإجراءات أو حتى لضمان نجاحها. من جاب أخر نجد المسؤولون الكبار يتلقون رشاوى بملايين الدولارات من أجل منح عقود مشاريع حكومية لشركات وهمية أو غير مؤهلة. هذه العقود غالبًا ما تكون مليئة بالثغرات التي تسمح بسرقة الأموال العامة دون أي رقابة أو محاسبة. وهكذا، تتحول الأموال المخصصة لإعادة إعمار البلاد إلى جيوب المسؤولين الفاسدين.
اضف لذلك تفشي ظاهرة "لصوص الاعتمادات" هي واحدة من أخطر أشكال الفساد في ليبيا. يرسمها باحترافية مسؤولون يستغلون مناصبهم لسرقة الأموال المخصصة للمشاريع التنموية أو الخدمات العامة. يتم تحويل هذه الأموال إلى حسابات شخصية في بنوك خارجية، أو يتم إنفاقها على مشاريع وهمية لا تقدم أي فائدة للبلاد.
فقد تم تخصيص ملايين الدولارات لإعادة بناء المدارس والمستشفيات التي دمرتها الحرب، لكن العديد من هذه المشاريع لم تر النور أبدًا. بدلًا من ذلك، تم تحويل الأموال إلى جيوب المسؤولين الفاسدين، تاركة المواطنين يعانون من نقص الخدمات الأساسية.

التدخل الخارجي : وقود يغذي الأزمة  

   لا يمكن فهم الأزمة الليبية دون التطرق إلى دور التدخل الخارجي(المشين)، حيث تلعب عدة دول أدوارًا متباينة في دعم الأطراف المتصارعة. بعضها تقدم الدعم العسكري أو الاقتصادي، بينما تقدم أخرى دعمًا إعلاميًا أو سياسيًا. ومعظم هذه التدخلات لا تهدف إلى تحقيق الاستقرار في ليبيا، بل غالبًا ما تكون لتحقيق مصالح جيوسياسية واقتصادية. وفي حين تدعم بعض الدول الإقليمية المليشيات المسلحة بشكل مباشر أو غير مباشر، تدعم أخرى استمرار حالة الإنقسام السياسي مما يزيد من تعقيد الوضع. كما أن بعض القوى الدولية تفضل استمرار حالة عدم الاستقرار في ليبيا لضمان استمرار تدفق النفط اليها بأسعار منخفضة أوربما لتحقيق أهداف استراتيجية أخرى. هذا التدخل الخارجي يعرقل أي جهود محلية لتحقيق السلام والاستقرار.

المصرف المركزي: محور الصراع على الموارد

مصرف ليبيا المركزي، مؤسسة من أهم المؤسسات التي تدور حولها الصراعات في ليبيا. بسبب تحكم المصرف في تدفق الأموال والاحتياطيات النقدية، مما يجعله أداة قوية في يد من يسيطرعليه. في ظل الانقسام السياسي، ولذلك أيضا تحول الى ساحة للصراع بين الحكومة في طرابلس والقوات الموالية لحفتر في الشرق، وحتى بين بعض المليشيات في غرب البلاد. عبر أستمرار محاولات السيطرة عليه، لتحقيق أغراض سياسية، واقتصادية(بطبيعة الحال) فمن يسيطر على المصرف يستطيع التحكم في توزيع الثروات الوطنية، بما في ذلك عائدات النفط. هذا الوضع المزري أدى الى حدوث أزمات مالية متكررة، حيث تم تجميد الأموال في بعض الأحيان، مما أثر على قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

هل من أمل في حل قريب مرتقب؟

     رغم كل التعقيدات الكبيرة التي تحيط بالملف الليبي، إلا أن الحل لا يزال ممكنًا (وممكنا جداً) إذا توفرت الإرادة السياسية المحلية والدولية لإنهاء الصراع. أولى الخطوات نحو الحل (في نظري) هي توحيد المؤسسات المالية، وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي، لضمان توزيع عادل للثروات الوطنية. ويرافق هذا الشروع بشكل عاجل في تفكيك المليشيات المسلحة، ووضع حد لعمليات تهريب النفط ، دون إغفال الوقوف بقوة ضد التدخل الخارجي الذي يعمق الأزمة ويطيل في عمرها ، ولتتيع هذه الخطوات الجدية خطوات اخرى تعمل كلها من أجل إعادة بناء الاقتصاد الليبي، و إيجاد حل سياسي شامل يلبي طموحات جميع الأطراف الليبية.

المجتمع الدولي: شريك في الحل أم جزء من المشكلة؟

     لابد أن يلعب المجتمع الدولي دورًا إيجابيًا في دعم جهود تحقيق السلام في ليبيا، بدلًا من تأجيج الصراع عبر دعم الأطراف المتناحرة. فيمكن للدول الكبرى والمنظمات الدولية أن تساهم في إيجاد حلول مستدامة من خلال دعم الحوار الوطني وفرض عقوبات على الأطراف التي تعرقل جهود السلام.
كما أن دعم المؤسسات الليبية، مثل مصرف ليبيا المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفظ، وشركات الإتصالات وضمان شفافية إدارته يمكن أن يساهم في استعادة الثقة بين الليبيين. يجب أيضًا العمل على إعادة بناء البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، مما يساعد في تخفيف حدة الأزمة الإنسانية.

وختاماً ..مستقبل ليبيا أمل وتحديات

     وختاماً يبقى مستقبل بلادنا ليبيا الحبيبة رهينًا بقدرة الليبيين على تجاوز الانقسام السياسي والتوصل إلى اتفاق يعيد بناء الدولة على أسس سليمة. لإن استعادة الاستقرار في ليبيا لا تخدم الليبيين فحسب، بل ستنعكس إيجابيًا على المنطقة بأكملها.ولتحقيق ذلك، يجب أن تكون هناك جهود متكاملة محلية ودولية تهدف إلى توحيد المؤسسات المالية، ووقف تهريب النفط ، والحد من التدخل الخارجي. فقط من خلال التعاون والتفاهم يمكن لليبيا أن تتجاوز أزمتها الحالية وتعود إلى مسار الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة.

كلمات المقال المفتاحية:
مصرف ليبيا المركزي، المليشيات المسلحة ، تهريب النفط ، التدخل الخارجي،الانقسام السياسي، الحكومة الوطنية، خليفة حفتر،الاقتصاد الليبي،الدينار الليبي،الاستقرار السياسي
صحيفة المنظار الليبية
صحيفة المنظار الليبية
تعليقات