يستعرض هذا التقرير الموجز بعض أسباب الإرتفاع الملحوظ في أسعار بعض العملات الأجنبية خصوصا الدولار واليورو والجنيه الاسترليني مقابل الدينار الليبي في السوق السوداء، خلال شهر يونيو 2025م، وتعرف على الآثار الاقتصادية المدمرة والحلول المقترحة لاستقرار العملة الوطنية ومكافحة التضخم...تابع التقرير من هنا 👇👇👇
✍️ اعداد: فريق التحرير
أسباب ارتفاع العملات الأجنبية في السوق السوداء الليبية
مقدمة تحليلية
شهدت السوق السوداء في ليبيا خلال شهر يونيو من عام 2025م، ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار بعض العملات الأجنبية، خاصة الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي، مقابل الدينار الليبي. هذا الارتفاع لم يكن مجرد تقلبات طفيفة، بل كان نتيجة لعوامل متعددة داخلية وخارجية، ساهمت جميعها في تعميق الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد الليبي منذ سنوات.
ويُعد هذا التطور تحديًا كبيرًا أمام استقرار العملة الوطنية، ويهدد بتفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، خصوصًا مع ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين.
أرقام ومؤشرات مهمة
أبرز أسباب ارتفاع العملات الأجنبية في السوق السوداء
انقسام المؤسسة المصرفية وتضارب السياسات النقدية
تشهد ليبيا انقسامًا بين المركزي في طرابلس والمراقبة المالية في بنغازي، مما يؤدي إلى عدم وجود سياسة نقدية موحدة. هذا الانقسام دفع إلى ضعف الرقابة على السوق الموازية (السوق السوداء)، وسمح بتعويم غير منضبط للعملة.
غياب البنية المؤسسية الموحدة يمثل عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق الاستقرار النقدي - صندوق النقد الدوليزيادة الطلب على العملة الصعبة بسبب استيراد السلع الأساسية
ازدادت حاجة المستوردين إلى العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو لتغطية فاتورة استيراد السلع الأساسية مثل الوقود والأدوية والمواد الغذائية، في ظل نقص الإنتاج المحلي وضعف التنويع الاقتصادي.
الإحصائية: وفقًا لوزارة الاقتصاد الليبية (يونيو 2025م)، بلغت قيمة الواردات خلال النصف الأول من العام أكثر من 8 مليار دولار، معظمها تم تمويله عبر السوق الموازية.
هروب رؤوس الأموال وتحويلات المواطنين للخارج
زادت عمليات تحويل الأموال إلى الخارج من قبل المواطنين، خصوصًا لأسباب العلاج أو التعليم، ما زاد الضغط على سعر صرف الدينار.
الرقم: تشير تقديرات البنك المركزي (غير الرسمية) إلى أن ما يقارب 700 مليون دولار تم تحويلها بشكل غير مباشر خارج البلاد خلال شهر يونيو فقط.
انتشار الفساد وتجارة العملة في السوق الموازية
استمرار تعامل بعض التجار والمصرفيين مع السوق السوداء، واستغلالهم لضعف الرقابة، ساعد على تضخيم أسعار الصرف وخلق حالة من الذعر في الأسواق.
التقرير: وفقًا لتقرير هيئة مكافحة الفساد الليبية (يونيو 2025م)، تم تسجيل أكثر من 200 قضية تلاعب بالعملة خلال الشهرين الماضيين.
تراجع إيرادات النفط وعدم استقرار الإنتاج
رغم أن النفط يمثل العمود الفقري للاقتصاد الليبي، إلا أن تراجع الإنتاج بسبب الإغلاقات المتكررة في الحقول والموانئ بسبب الخلافات السياسية والاحتجاجات، أدى إلى نقص الإيرادات بالعملة الصعبة.
الإحصائية: بلغ متوسط إنتاج النفط في يونيو 2025م حوالي 600 ألف برميل يوميًا، بينما كانت الطاقة الإنتاجية الممكنة تصل إلى 1.2 مليون برميل.
الآثار الاقتصادية لارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء
ارتفاع معدلات التضخم
ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، خصوصًا تلك المرتبطة بالدولار، مثل الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية، مما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للمواطن.
الرقم: بلغ معدل التضخم في يونيو 2025م نحو 42% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
تدهور مستوى المعيشة
مع ارتفاع الأسعار وثبات الدخل، أصبح المواطن الليبي يعاني من تراجع حاد في مستوى المعيشة، خصوصًا الطبقة المتوسطة والفقيرة.
مثال: سعر كيس الدقيق (10 كجم) ارتفع من 30 دينارًا إلى أكثر من 60 دينارًا خلال ثلاثة أشهر.
ضعف الثقة في العملة الوطنية
ساهم ارتفاع سعر الصرف الموازي في فقدان الثقة في الدينار الليبي، ودفع البعض إلى استخدام العملات الأجنبية في التعاملات اليومية، وهو ما يُعرف بظاهرة "الدولرة".
تأثيرات سلبية على الاستثمار
الاضطراب في سعر الصرف جعل البيئة الاستثمارية غير مستقرة، مما دفع المستثمرين المحليين والأجانب إلى التردد في ضخ أموال جديدة في السوق.
التقرير: تراجعت مؤشرات الاستثمار الأجنبي المباشر في ليبيا بنسبة 35% خلال النصف الأول من 2025م.
اتساع الفجوة بين السوق الرسمي والسوق الموازي
ارتفع الفرق بين سعر الصرف في السوق الرسمي (5.9 دينار/دولار) والسوق السوداء (حوالي 8.7 دينار/دولار) إلى أكثر من 47%، مما شكل تشويهًا في آلية السوق.
طرق مقترحة لحل هذه الأزمة واحتواء آثارها
توحيد المؤسسة المصرفية ووضع سياسة نقدية موحدة
من الضروري إعادة توحيد المصرف المركزي تحت إدارة واحدة وموحدة، تكون قادرة على وضع سياسات نقدية واضحة ومدعومة دوليًا، لوقف التشوهات في سوق الصرف.
المقترح: يمكن اللجوء إلى وسيط دولي مثل الأمم المتحدة أو صندوق النقد الدولي لتسهيل الحوار بين الأطراف المعنية.
فرض رقابة صارمة على السوق السوداء
تحتاج الدولة إلى تشديد الرقابة الأمنية والمالية على تجار العملة غير النظاميين، وتشديد العقوبات على من يمارسون التلاعب في سعر الصرف.
الإجراء: إنشاء وحدة متخصصة لمكافحة الجرائم المالية والعملات، تعمل على مدار الساعة.
❗تعزيز إيرادات الدولة بالعملة الصعبة
من خلال استقرار قطاع النفط وإعادة تشغيل الحقول المتوقفة، وتنويع مصادر الدخل، مثل تطوير الزراعة والسياحة والصناعة.
الهدف: الوصول بإيرادات العملة الصعبة إلى 15 مليار دولار سنويًا، بدلًا من 9 مليار حالية.
إعادة هيكلة الدعم الحكومي وربطه بالفئات الأكثر احتياجًا
بدلاً من الدعم العام الذي يستفيد منه الغني والفقير، يجب التركيز على الدعم النقدي المباشر للمحتاجين، لتخفيف الضغط على ميزانية الدولة.
النموذج: يمكن اعتماد نظام البطاقات الذكية كما هو متبع في مصر والأردن.
❗تشجيع التصدير ودعم المنتج الوطني
يجب دعم الصناعات المحلية وتشجيع التصدير، لتحسين ميزان المدفوعات وجذب العملة الصعبة.
المقترح: تقديم قروض ميسرة للشركات المصدرة، وتوفير الحماية الجمركية للمصنوعات المحلية.
إطلاق برنامج إصلاح اقتصادي شامل
يجب التعاون مع صندوق النقد الدولي لتصميم برنامج إصلاح اقتصادي يشمل: ترشيد الإنفاق العام، إصلاح سوق العمل، تحسين مناخ الاستثمار، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
الدعم: يمكن أن يتضمن البرنامج خط ائتماني ميسر من صندوق النقد لدعم الاحتياطي الأجنبي.
خاتمة وتوصيات
إن ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار الليبي في السوق السوداء خلال يونيو 2025م، ليس مجرد أزمة مؤقتة، بل هو مؤشر على عمق الأزمة الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الليبي. يتطلب حل هذه المشكلة إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات جذرية، وتعاونًا وطنيًا ودوليًا.
ولا بد من التحرك السريع لوقف الانهيار النقدي، وحماية القدرة الشرائية للمواطن، وبناء اقتصاد مستقر ومنتج يعتمد على التنويع وليس على النفط فقط. فالفرص لا تزال قائمة، لكن الوقت يداهمنا.
المراجع والمصادر
- صندوق النقد الدولي – تقرير عن الاقتصاد الليبي، يونيو 2025
- البنك المركزي الليبي (طرابلس) – بيانات سعر الصرف
- هيئة مكافحة الفساد – تقرير يونيو 2025
- وزارة الاقتصاد الليبية – إحصائيات الواردات
- مؤسسة النفط الليبية – تقارير الإنتاج
- الجهاز المركزي للإحصاء – معدلات التضخم
- تقارير صحفية من وكالة رويترز وبلومبيرغ حول الاقتصاد الليبي
نرحب بتعليقاتكم