ليبيا: نحو العزلة التامة

    تتحول ليبيا ببطء، ولكن بثبات، إلى جزيرة معزولة عن العالم. فالدولة الفاشلة، التي لا تملك سيادة حقيقية على مؤسساتها، باتت غير قادرة حتى على ضمان شرعية وثائقها. جواز السفر الليبي، بحسب مؤشر Henley Passport Index، يُعد من بين الأسوأ عالميًا، ويرفضه العديد من الدول بسبب شبهة التزوير وضعف الثقة في آليات إصداره، في ظل تعدد مراكز استخراج الجوازات داخل البلاد وخارجها، بما فيها تلك الواقعة تحت سيطرة ميليشيات متصارعة.

    في الوقت ذاته، تحوّلت مؤسسات الدولة المالية إلى أوكار لغسيل الأموال، بحسب تقارير Financial Action Task Force (FATF) ومصادر من مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF).

    عدد مهول من المواطنين، خاصة من الشباب، انخرطوا دون علم في شبكات الجريمة المنظمة، بعد بيعهم بطاقات الدفع الدولية (Visa Prepaid Cards) مقابل مبالغ فورية. هذه البطاقات، التي تُستخدم لاحقًا في عمليات مشبوهة دوليًا، جعلت هوياتهم المالية عرضة للتجميد أو الحظر في أنظمة البنوك العالمية.

    أما الوضع الصحي، فهو مؤشر آخر على العزلة والانهيار. وفقًا لتقارير برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز (UNAIDS)، فإن ليبيا سجلت أعلى معدل نمو في حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV) في شمال إفريقيا خلال السنوات الخمس الأخيرة، مع نسب غير رسمية تُشير إلى أن الانتشار في بعض المدن يتجاوز 1.2% من إجمالي السكان — وهي نسبة كارثية مقارنة ببلدان الجوار.

    على صعيد آخر، لا تبدو العاصمة طرابلس بمنأى عن هذه التدهورات. فقد صنفتها The Economist Intelligence Unit ضمن أسوأ المدن في العالم من حيث قابلية العيش، محتلة المركز الثالث من الأسفل بين 173 مدينة في مؤشر قابلية العيش لعام 2025م، وجاءت ضمن الأسوأ في قارة أفريقيا لعام 2024م .

في ظل غياب دولة قادرة على احتكار العنف أو السيطرة على الحدود أو حتى إدارة البنى التحتية المدنية، تتجه ليبيا نحو الفراغ الجيوسياسي الكامل: منطقة خارجة عن القانون، بلا سيادة، ولا صوت، ولا مستقبل.